في عالم الشركات التقنية الناشئة سريع الإيقاع، غالبًا ما يتجه مؤسسو الشركات إلى تطوير منتجات تقنية مبتكرة داخليًا بغرض البيع أو التأجير، ولكن قد يغفلون عن جانب في القوائم المالية للشركة في نهاية السنة المالية وهو معاملة الأصول غير الملموسة. بالنسبة لهذه الشركات الناشئة فمعظمها تتبع المعيار الدولي للتقرير المالي للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، لذلك فالاعتراف بالأصول غير الملموسة المطورة داخليًا يشكل تحديًا.
قد لا يدرك الكثير من مؤسسي تلك الشركات أن الأنظمة المطورة داخليًا أو أي أصل غير ملموس آخر مطور داخليًا لا يجوز الاعتراف به كأصل غير ملموس في القوائم المالية في حال اتباع المعيار الدولي للتقرير المالي للمنشآت الصغيرة والمتوسطة وقد يكون لهذا الأمر تأثيرات كبيرة على تقاريرهم المالية خصوصًا وأن الأنظمة تشكل غالبية التكاليف ويُنفق عليها مبالغ كبيرة مما قد يؤدي إلى قوائم مالية غير دقيقة ولا تعكس المركز المالي الحقيقي للشركة.
ينص المعيار الدولي للتقرير المالي للمنشآت الصغيرة والمتوسطة على أنه يجب الاعتراف بكافة النفقات المصروفة على تطوير الأصل غير الملموس داخليًا؛ بما فيها الرواتب والاستشارات وغيرها كمصاريف إدارية وعمومية بالسياق العادي، ويعود هذا السبب لشروط الاعتراف بالأصل عمومًا كما تنص المعايير الدولية للتقرير المالي المعمول بها في المملكة العربية السعودية، وأحد هذه المعايير أن يكون للأصل قابلية فصل، مما يعني أنه يمكن فصله عن الأعمال وبيعه أو منحه كترخيص أو تأجيره أو تبادله.
كما تنص المعايير على وجوب أن يكون الأصل تحت سيطرة الكيان (أي الشركة) نتيجة للأحداث السابقة؛ ويقصد بالأحداث السابقة العمليات الاقتصادية التي أدت لانتقال ملكية الأصل مثل أن يُشترى من طرف خارجي أو يُستحوذ على شركة قامت بتطويره داخليًا أو أي حدث مشابه يؤدي لانتقال ملكية الأصل للشركة محل التقرير (أي يجب أن يحدث حدث يؤدي إلى وجوده وليس أن يتطور داخليًا)، كما يجب أن يكون من المرجح تدفق الفوائد الاقتصادية المستقبلية إلى الكيان من هذا الأصل ويقصد بالفوائد الاقتصادية الإيرادات أو التدفقات النقدية المستقبلية الداخلة للشركة من هذا الأصل.
وبالنسبة للعديد من الشركات التقنية الناشئة، فهي تطور البرمجيات والخوارزميات أو الحلول التقنية الأخرى غالبًا داخل الشركة، بقصد تأجيرها (مثل الاشتراكات) أو بيع المنتج الناتج وقد يحدث ذلك وتتدفق منافع اقتصادية كبيرة للشركة نتيجة تأجير أو بيع الأصل، ومع ذلك إذا لم تستوف هذه الأصول المطورة داخليًا معايير الاعتراف كأصول غير ملموسة طبقًا للمعيار الدولي للتقرير المالي للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، فلن تعكس القوائم المالية هذا الأصل غير الملموس.
بدلاً من ذلك، سيُعترف بالتكاليف المتعلقة بالتطوير والتي معظمها رواتب ومصاريف عامة ونفقات أخرى، كنفقات في الفترة التي تحملت فيها الشركة تلك المصاريف ولا يجوز رسملتها ولا توزيعها على فترات – بمعنى أن قائمة الدخل للفترة المالية التي لم يباع فيها المنتج أو لم ينتهي فيها تطويره وظهوره للسوق ستكون متضخمة بالمصاريف – مما يؤدي إلى خسائر، وبالتالي خسائر متراكمة في قائمة المركز المالي وقد يضطر المحاسب القانوني المعين تلك الفترة إلى التساؤل حول استمرارية الشركة إذا كانت الخسائر المتراكمة تغطي نصف رأس مال الشركة محل التقرير، مما قد يؤثر على مستخدمي القوائم المالية ومتخذي القرارات سواء من مانحي التمويل أو المستثمرين المحتملين.
كما ننوه أنه في بعض الأحيان يضطر المراجع القانوني لأن يتحفظ في تقريره عن القوائم المالية ويذكر عدم تأكده من أرصدة تلك الأصول، والسبب في ذلك يعود إلى أن معظم مؤسسو تلك الشركات يمتنعون عن الاعتراف بتلك النفقات كمصاريف طبقًا للمعيار، ويصرون على إثبات أصل غير ملموس في القوائم المالية وهذا أحد أسباب أنه من الملاحظ أن معظم الشركات الناشئة تحصل على رأي متحفظ في قوائمها المالية ولكن هذا التصرف لا يجعل من القوائم المالية أكثر جمالًا لدى المؤسسات المالية والمستثمرين، حيث أن وجود تحفظ على الأصول وخصوصًا أنها ذات أهميه كبيرة في القوائم وقد تكون أكبر الأرصدة الموجودة أمر يؤدي إلى نقص في الثقة.
علاوة على ذلك، يمكن أن يشوه عدم الاعتراف بالأصول غير الملموسة المطورة داخليًا المقاييس المالية الرئيسة؛ مثل الربحية وعائد الأصول والأداء المالي العام، فمثلًا بسبب تلك التكلفة الكبيرة قد يظهر مؤشر ربحية الشركة رقم غير دقيق على الاطلاق، وقد يكون عائد الأصول أقل مما كان لو حدث اعتراف ورسملة للأصول غير الملموسة المطورة داخليًا، كما من الممكن أن يؤثر ذلك على قدرة الشركة على مقارنة أدائها مقارنة بالشركات النظيرة في الصناعة وقد يعوق قدرتها على التنبؤ والتحليل والمراقبة.
ولمواجهة تلك التحديات، يجب على مؤسسي الشركات التقنية الناشئة أن يكونوا على دراية بالآثار المترتبة على القوائم المالية فيما يتعلق بتطوير الأصول غير الملموسة داخليًا، ويجب عليهم النظر في استراتيجيات بديلة لعرض قيمة أصولهم المطورة داخليًا.
ومن بين الاستراتيجيات ما يلي:
- الحصول على تقييمات خارجية للأصول المطورة بمنحى عن القوائم المالية لإيضاح تلك القيمة للأطراف الخارجية سواء من المستثمرين أو الأطراف الأخرى أصحاب المصلحة.
- التحول إلى التبني الشامل للمعايير الدولية للتقرير المالي لإثبات قيمة الأصول غير الملموسة وتجنب تراكم الخسائر الناتجة عن حساب تكاليف التطوير.
ولكن من المهم ملاحظة أن التحول يأتي مصحوبًا بمجموعة من التحديات والمتطلبات الخاصة به، والتي قد تؤدي إلى تكبد تكاليف كبيرة لإكمالها قد لا تستطيع تلك الشركات الناشئة تحملها وخصوصًا في عمرها المبكر.
وتلك التكاليف تأتي بسبب أن التحول يتضمن إعادة تقييم شاملة للسياسات المحاسبية للشركة وعمليات إعداد التقارير المالية وأنظمة الرقابة الداخلية ويتطلب تطبيق معايير محاسبية أكثر تعقيدًا وصرامة، مما قد يتطلب تدريبًا إضافيًا لقسم المحسبة والمالية أو في بعض الأحيان توظيف موظفين ذوي خبرة عالية قادرين على العمل على تلك المعايير الأمر الذي قد يكون مكلف للغاية مقارنة بالوضع السابق، علاوة على ذلك، فإن عملية الانتقال إلى التبني الشامل للمعايير الدولية لإعداد التقارير المالية غالبًا ما تتضمن إشراك خبراء خارجيين؛ مثل المراجعين والاستشاريين والخبراء الاكتواريين، لضمان دقة واكتمال التقارير المالية بموجب المعايير الجديدة.
وبالإضافة لذلك، قد يتطلب الانتقال إلى المعايير الدولية للتقرير المالي بالتبني الشامل إعادة اعداد القوائم المالية لفترات المقارنة – أي للفترات السابقة، وهو ما قد يستغرق وقتًا طويلًا ويرفع تكاليف التحول كثيرًا.
كما تتضمن عملية التحول هذه إعادة النظر في البيانات المالية التاريخية وتطبيق متطلبات المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية بالكامل للتأكد من أن البيانات المالية تعكس بدقة المركز المالي للشركة وأدائها بموجب المعايير الجديدة؛ مثل سياسات الاحتياطيات والديون المعدومة وسياسات الاعتراف بالإيراد وغيرها من السياسات ذات التعقيدات الكبيرة.
علاوة على ذلك، فإن اعتماد التبني الشامل للمعايير الدولية للتقرير المالي يتطلب زيادة الإفصاح وزيادة الشفافية، وهي قد تكون منطقة غير مريحة بالنسبة للشركات الناشئة ومؤسسيها أو التي قد تقيد بعض التصرفات والعمليات التي تعتبر عادية في الشركات الناشئة.
تعد الإفصاحات المعززة حول طبيعة الأصول غير الملموسة وقيمتها الدفترية، إلى جانب المخاطر والشكوك المرتبطة بها، جزءًا لا يتجزأ من التبني الشامل للمعايير الدولية لإعداد التقارير المالية لذلك قد يكون هذا المستوى المرتفع من الشفافية غير مألوف خصوصًا وأن طبيعة تلك الشركات الناشئة هي الخطورة العالية والقرارات السريعة والتغيرات المفاجئة التي دائمًا ستثير شك المحاسب القانوني فيما يخص استمرارية الشركة أو غيرها من الأمور.
وعلى الرغم من التحديات المرتبطة بالانتقال إلى المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية الكاملة فإن فيها فوائد كبيرة للشركات التقنية الناشئة التي تسعى إلى عرض قيمة أصولها غير الملموسة المطورة داخليًا الأمر الذي يعطي انعكاسًا أكثر دقة للوضع المالي للشركة وأدائها، مما يعزز المصداقية والشفافية في نظر المستثمرين والدائنين وأصحاب المصلحة الآخرين.
علاوة على ذلك، من خلال رسملة الأصول غير الملموسة المطورة داخليًا بموجب المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية بالتبني الشامل، قد يتوافق المركز المالي للشركة ومقاييس الربحية المُبلغ عنها بشكل أوثق مع الواقع الاقتصادي للشركة، مما يؤدي إلى تحسين قدرتها على جذب الاستثمار وتأمين التمويل.
في الختام، في حين أن الاعتراف بالأصول غير الملموسة المطورة داخليًا يمكن أن يكون مشكلة معقدة بالنسبة للشركات التقنية الناشئة التي تتبع المعيار الدولي للتقرير المالي للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، إلا أن قرار الانتقال إلى التبني الشامل للمعايير الدولية لإعداد التقارير المالية يجب أن يُنظر إليه بعناية بالأخذ في الاعتبار التكاليف والوقت ومتطلبات الإفصاح والشفافية العالية المطلوبة. وفي كل الأحوال نقترح أن يدرس مؤسسو تلك الشركات وفريق الإدارة مثل هذه القرارات مع مختصين ماليين ومحاسبين قانونيين يستطيعون طرح خيارات واستراتيجيات مناسبة لوضع الشركة في وقت القرار.
–
شاركتنا المقال مشكورة، أروى الرميزان، الناشطة في مجال الاستثمارات ومديرة شركة المحاسبة والاستشارات المتخصصة في الشركات الناشئة والجولات الاستثمارية، جرين محاسبون ومراجعون قانونيون.