الفحص التقني واستعداد المشاريع للتغيرات المستقبلية

مستقبل المشاريع الآن ليس كمستقبل المشاريع بعد خمسة أو عشر سنوات قادمة ، التطورات التي نعيشها في عالم التقنية سريعة جداً ومن شأنها أن تُشكل رؤية جديدة للمشاريع. كيف نضمن إذاً وسط هذه التغيرات بقاء مشاريعنا التقنية في حالة دائمة من النجاح والتكيف السريع مع المستقبل؟ المفتاح لذلك هو الفحص التقني المستمر، في هذا المقال سأتحدث عن مفهوم الفحص التقني وأهميته في تأمين استعداد المشاريع التقنية للمستقبل، سأستعرض أيضًا أنواع الفحص التقني التي وقفت عليها في المشاريع التقنية مع تقديم التوصيات التي تجعل المشاريع قادرة على الاستمرار والنمو في المستقبل.

الفحص التقني للمشاريع هو عملية تقييم شاملة تهدف إلى تحليل البنية التقنية لمشروع معين، بما في ذلك الأجهزة، والبرمجيات، وأنظمة التشغيل، وقواعد البيانات، وأي تقنيات أخرى يعتمد عليها المشروع. الهدف من الفحص هو تحديد مدى كفاءة هذه العناصر، واكتشاف نقاط القوة والضعف، وتقييم مدى استعداد المشروع للتكيف مع التطورات المستقبلية في مجال التقنية. يشمل الفحص التقني أيضًا مراجعة أمان الأنظمة، واستقرارها، وأدائها، لضمان أنها تتماشى مع أفضل الممارسات والمعايير الحالية. باختصار، هو أشبه بعمل “فحص صحي” للمشروع، للتأكد من أنه قادر على الصمود أمام التحديات القادمة والاستفادة من الفرص الجديدة.

قبل تنفيذ الفحص التقني من المهم تحديد أهداف ومعايير الفحص ليتم قياس النتائج بصورة واضحة. معايير الفحص التقني من المهم أن تكون واضحة ومحددة وقابلة للقياس وقابلة للتحقيق وذات صلة رئيسية بمحتويات المشروع ومحددة زمنياً.

بمجرد تحديد أهداف الفحص التقني ومعاييره، تحتاج إلى اختيار طرق وتقنيات الفحص المناسبة التي ستساعدك على تحقيقها، وهي عبارة عن إجراءات لتنفيذ أنشطة الفحص التقني على مدخلات ومخرجات المشروع.

إجمالاً تتكون عملية الفحص التقني من أربع خطوات: 

التهيئة للفحص، تنفيذ الفحص، تقييم الفحص وأخيراً، إعداد تقارير الفحص.

أولاً: تهيئة الفحص

ويتضمن إعداد بيئة الفحص ، تحميل بيانات الفحص، تشغيل أدوات الفحص والتحقق من أن حالات الفحص ومدخلات المشروع جاهزة.

ثانياً: تنفيذ الفحص 

ويشمل تشغيل حالات الفحص على المشروع وتوثيق أي انحرافات أو أخطاء أو عيوب قد تنشأ.

ثالثاً: تقييم الفحص 

يتم التقييم مع مقارنة النتائج بالتوقعات ، بالإضافة إلى قياس الأداء مقابل معايير الجودة والموثوقية.

أخيرًا، في خطوة إعداد تقارير نقوم بإبلاغ النتائج والتوصيات لأصحاب المشروع المعنيين.

حقيقة أن الشركات الناشئة خاصةً التي تعتمد على التقنية تحتاج إلى بنية تحتية قوية، لو كانت هذه البنية ضعيفة أو مليئة بالأخطاء، فإن الشركة قد تواجه مشاكل كبيرة مع مرور الوقت. فحص الأنظمة والتأكد من قوتها يمنح المستثمرين راحة البال بأن المشروع قادر على الاستمرار بدون توقفات أو مشاكل تقنية كبيرة.

من أهم الأمثلة العملية لأنواع الفحص التقني التي وقفت على معظمها في العديد من المشاريع التقنية فحص اختبار الوحدات والتي يتم فيه اختبار أجزاء صغيرة من الكود (مثل دالة أو مكوّن برمجي) للتأكد من أنها تعمل بشكل صحيح، كذلك الفحص الأمني لاكتشاف الثغرات الأمنية في النظام أو التطبيق، مثل كشف محاولات الوصول غير المصرح به، أو تسريب البيانات، أيضاً فحص اختبار الأداء الذي يهدف إلى قياس سرعة استجابة النظام وتحمله للبيانات الكبيرة. يتضمن اختبارات مثل اختبار التحميل واختبار الإجهاد، كذلك الفحص الوظيفي الذي يتم خلاله التحقق من أن جميع وظائف النظام تعمل وفق المتطلبات المحددة. ولا أنسى الفحص المهم تجربة المستخدم الذي يركز على اختبار سهولة استخدام النظام وراحة المستخدم في التعامل مع واجهة المستخدم. بالإضافة إلى الفحص التوافقي الذي يُستخدم للتأكد من أن النظام يعمل بشكل جيد على مختلف الأجهزة، المتصفحات، وأنظمة التشغيل.

أخيراً فحص التكامل والربط مع الأطراف والأدوات الخارجية لضمان سير المدخلات وتكاملها بالشكل الصحيح.

مجملاً هذه أهم أنواع الفحص التقني وحينما نتحدث بالجمع ما بين الاستثمار والفحص التقني من المهم أن ننوه أن هناك عدة مراحل للمشاريع خلال الاستثمار:

المرحلة الأولى  مرحلة ما قبل البذرة (Pre-seed): هنا تجد المشروع فقط في مرحلة فكرة وبناء النموذج الأولي، فكرة فقط لايوجد فيها أنظمة ولا بنية تحتية وغالبًا يتم تمويلها من المؤسسين أو الأصدقاء والعائلة وبالتالي لا تحتاج إلى أي فحص تقني.

المرحلة الثانية مرحلة البذرة (Seed): في هذه المرحلة، يتم تطوير المنتج بشكل أولي وإجراء اختبارات السوق الأساسية، يحصل المشروع عادةً على تمويل من مستثمرين أو صناديق رأس مال صغيرة، بهدف الوصول إلى نموذج قابل للتوسع ، وأيضا هذه المرحلة لاتحتاج إلى فحص تقني.

أما المرحلة الثالثة تسمى بما قبل السلسلة (Pre-Series A): تبدأ الشركة هنا بترسيخ منتجها في السوق وتمتلك إيرادات جيدة وتكون تسعى لجولات تمويل أكبر استعدادًا للنمو الواسع والتوسع في السلسلة A، لجذب مستثمرين أكبر والمضي قدمًا.

لذلك المشاريع التي في المرحلة الثالثة (ما قبل السلسلة A) وما بعدها تصبح نتائج الفحص التقني ضرورية للمستثمر ولفريق عمل المشروع نفسه لضمان جاهزية المنتج للسوق وقدرته على التوسع بشكل مستمر. نستطيع القول بصورة عامة لتصبح المشاريع التقنية في حالة كفاح مستمر للنمو فإنه من المهم أن نحافظ على جودة الفحص التقني طيلة حياة المشروع. لا ننسى أيضاً أهمية الابتكار المستمر للتكيف مع التطورات التقنية الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي وتقنيات الحوسبة السحابية، وتطبيقها بشكل يلبي احتياجات السوق المتغيرة. أيضاً التوسع الذكي وتكوين شراكات استراتيجية سواء عن طريق دخول أسواق جديدة أو توسيع المنتجات والخدمات الحالية يعزز فرص النمو وتبادل الخبرات .

هذه التوصيات يمكن أن تجعل المشروع التقني يتمتع بالمرونة والقدرة على الاستدامة في ظل التغيرات السريعة في عالم التقنية. لا ننسى أن الفحص التقني ضروري في القطاعات الخاضعة للتشريعات، مثل التقنيات المالية لضمان التزام المشروع بالمعايير القانونية والأمان وحماية بيانات المستخدمين. أي خلل تقني قد يؤدي لمخالفات قانونية وعقوبات تنظيمية.

ختاماً الفحص التقني للمشاريع مفتاح جوهري لضمان جودة الأداء ونمو المشروع في المستقبل، يمكن أن نلخص خطواته في دورة حياة ثابتة تبدأ بتحديد أهداف الفحص التقني ثم البدء في الفحص عبر النموذج الأولي ، ثالثاً التحقق من الأهداف المحددة ومقارنة النتائج وأخيراً الحصول على ملاحظات وتوصيات من مالك المشروع حول النتائج.