بعث إلينا عبدالله عسيري، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة لوسيديا، برسالة وجهها إلى زملاءه رواد الأعمال في ظل أزمة فيروس كورونا العالمية. ونحن نشكر الاستاذ عبدالله على اختياره جولة لنشر الرسالة.
دعني أبدأ بصراحة قد تكون قاسية و بعيدة عن كل الأحاديث التي نسمعها يومياً والتي تدعو للإيجابية. لنسمي الأمور بمسمياتها الحقيقية حتى نستطيع التخطيط للمستقبل بشكل أفضل. لابأس بالتفائل والايجابية، ولكن عند الأوقات الحرجة يستوجب الأخذ بالجدية والواقعية والتخطيط المبني على اسوء الأمور لكي ننجو بأقل الخسائر أو حتى بمكاسب.
أنا اليوم أكتب هذه المدونة وأنا لازلت في حالة قريبة للنكران لما يحدث.
هذه المرة الأولى التي أكتب بها مقالة أتمنى أن لا تكون لها فائدة عما قريب بل وأتمنى أن يحدث الله أمراً قبل انتهائي منها ليجعلها مجرد ”مسودة“.
ولكن أنا أريد وأنت تريد والله يفعل ما يريد أو كما قال المتنبي:
ما كل ما يتمناهُ المرء يدركهُ تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
المقالة هذه هي رسالة مني لزملائي رواد الأعمال سواء المخضرمين أو الجدد في هذا العالم. هي مجرد رسالة وليست نصائح أو ارشادات فلا أنا ولا أنت ولا أي شخص آخر قد مر بهذه الظروف من قبل. مجرد رسالة أو ”فضفضة“ قد تكون مسلية او مفيدة بشكل أو بآخر.
زميلي رائد الأعمال
منذ أن أتت فكرة مشروعك في بالك إلى قبل هذه الأزمة وأنت يومياً في حرب مختلفة (إذا لم تكن أكثر من حرب في نفس الوقت). حرب ايجاد عضو فريق مناسب، حرب التدفق المالي، حرب إرضاء عميل، حرب الحصول على استثمار مناسب، حرب تطوير منتج يلقى تطلعاتك، حرب اقناع مجلس الإدارة، حرب التكييف مع القرارات الحكومية المفاجأة ….و المئات من الحروب الأخرى.
أنت (وأنا) مرهقين من هذه الحروب والصراعات اليومية … ما نحتاجه هو فترة راحة. فترة استجمام. نحتاج إلى بعض الهدوء والسكينة والطمأنينة للمستقبل.
ولكن بدلاً من ذلك، فجأة وبدون أي انذار، دخلنا في ”أم الحروب“ و هي حرب أزمة كورونا. حرب طولها مجهول والعدو فيها يطيح بحلفائك ومورديك وعملائك واحداً تلو الآخر بدون رحمة. الجسور من حولك تحترق، لا مجال للفرار حتى. أنت الآن في ترقب وقلق … ماذا سيكون مصيري؟ كيف ستٌكتب قصتي؟
في وسط هذه الحرب الضروس والتي تستطيع لوحدها انهاك العمالقة (فما بالك أنا و أنت)، تبدأ حرب أخرى في نفس الوقت وهي أزمة أسعار النفط والتي تطيح بجزء آخر من عملائك ومورديك، وتربك موقفك وتجعل المستقبل أكثر ضبابية من اي وقت سبق.
ما الذي يحدث؟
الاقتصاد العالمي ينخنق بشدة بسبب أزمة كورونا. انخفاض مرعب سريع جد للاقتصاد العالمي وتهاوي أسواق الأسهم العالمية بنسب 20٪ إلى 30٪ منذ اندلاع الأزمة. انخفاض مبيعات العديد من القطاعات مثل الطيران والسياحة إلى نسب تصل 70٪ وتوقف العديد من المتاجر عن العمل. إعلان صندوق النقد الدولي اليوم بدخول العالم في ركود اقتصادي وتوقع امتداده إلى سنة 2021 ويتوقع العديد التوجه إلى كساد اقتصادي عالمي والذي يعني كارثة اقتصادية عالمية لم تحدث في أمريكا (على سبيل المثال) إلا مرة واحدة في تاريخها فقط. من المتوقع بدأ موجة قوية من الإفلاس للشركات وتسريح الموظفين على المستوى العالمي.
بإختصار، نحن في اتجاه كارثة اقتصادية عالمية لم يسبق أن تم التعامل معها من قبل وتمس جميع دول العالم بشكل سريع و شرس
ما العمل؟
أنا لا أعرف ”ما العمل“ ولا أتجرء حتى لتوقعي لنتائج دمار هذه الحروب، ولكن أعرف أمراً واحداً جيداً وهو السبب الذي جعلني أنا وأنت ننتصر في الحروب اليومية التي خضناها قبل أزمة كورونا.
الشعلة التي بالداخل: نعم، كلنا نملك هذه الشعلة بداخلنا التي تشتعل يوميا لتعطينا الطاقة اللازمة للإنتصار في الحروب. هذه الشعلة التي حولت مشاريعنا من ”مجرد فكرة“ إلى مشروع على أرض الواقع يحل مشكلة حقيقية ويدخل الملايين وبسببه فتحنا البيوت وألهمنا العديد من الشباب. هذه الشعلة التي لا يمتلكها إلا الأقلية من الأشخاص في العالم والتي اختارني ربي وإياك ليهبها لنا. الشعلة التي جعلتنا مضرب مثل في عدم اليأس وقوة الإرادة و الطموح.
الشعلة التي جعلت مؤسسي الشركات التالية يتخطو أزمة 2008 المالية الشهيرة (أوبر – Airbnb – نتفليكس – دروبوكس – Spotify – هووتسويت – EvernNote – Zyng).
والتي جعلت مؤسسي شركات مثل جوجل وآبل ومايكروسوفت وفيسبوك يتخطون الأزمات المالية المختلفة التي ظهرت في بداياتهم.
هي نفس الشعلة التي يقصدها الشاعر رداً على أبيات المتنبي بالأعلي:
تجري الرياح كما تجري سفينتنا نحن الرياح ونحن البحر والسـفـن
إن الذي يرتجي شيئاً بهمتــــــه يلقاه لو حاربتــــــه الإنس والجــن
فاقصد إلى قمــم الأشياء تدركها تجري الرياح كما رادت لها السفن
النصف الممتلىء للكوب
إذاً، نحن أمام حربين شرسة ويبدو أن الشعلة التي بداخلنا هي سلاحنا الأقوى في هذي الحروب، ولكن هنالك بعض الأمور الإيجابية التي من الممكن الاستفادة منها في هذي الأوقات:
- من رحم الأزمات.. تولد الفرص: ما يميزنا كشركات ناشئة عن الشركات الكبيرة والمتوسطة؛ هو شيئين أساسيين: 1– الرشاقة 2- الإبتكار. وبفضل هذه الصفات التي نتميز بها ونجيدها بشكل كبير نستطيع قنص الفرص والعمل على تقديم حلول لها بشكل سريع. قد يكون هذا حل مؤقت للنجاة من الأزمة لحين تعود الأمور لطبيعتها وقد يكون هذا الحل هو المنعطف الحاسم الذي يفتح لك أبواب النجاح و النمو حتى بعد الأزمة.
- كسب الثقة: كقائد للسفينة، أهم عامل يضمن لك رحلة ناجحة هو ثقة الركاب والطاقم الذي معك. هذه فرصتنا للإثبات بشكل قاطع للجميع أننا أفضل من يقود هذه السفينة إلى بر الأمان سواء كانت هنالك شكوك أو لا. ابحارك بالسفينة خارج هذه الأزمة سيرفع من أسمهك بشكل كبير لدى موظفيك، شركائك، أعضاء مجلس الأدارة، المستثمرين، والأهم منهم كلهم هو أمام نفسك أنت.
- سقوط الأقنعة: في وسط الأزمات يظهر معدن الجميع وهذه فرصتنا لنرى الناس من حولنا على حقيقتهم. من هم مستثمرين المال فقط ومن هم المؤمن بك وبما تفعل؟ مَن مِن الموظفين يعمل بشغف وإيمان بالشركة و من يعمل للمال فقط؟ مَن مِن أعضاء مجلس الإدارة يقدم يد المساعدة فوراً و من يتردد أو يختفي؟ من هم المستثمرين الجريئين و من هم راكبي الأمواج؟
يهمنا جداً معرفة هذه الأجوبة اليوم و ذلك لأن الطريق لا زال طويل و سنمر بأزمات أخرى غالبا (أقل وطأة يا رب) ونحتاج فقط من هم المؤمنون بنا لنتخطاها بسهولة. - جزء من التاريخ: أنا والكثير غيري استشهد بالشركات التي نجت من الأزمات المالية السابقة (مثل استشهادي بهم بالأعلى) وكلنا نضرب بهم الأمثلة ونستلهم من قصصهم لهذا العمل العظيم. الآن هي فرصتنا لننضم لهم في هذي القائمة. فرصتنا لنحفر اسمنا في التاريخ. لنتحدث أمام أولادنا في المستقبل عن هذه الحقبة الزمنية والتحديات التي واجهتها جميع الشركات في العالم وكيف أننا قدرنا (بفضل الله) ليس على مجرد تخطيها بل استغلالها للإزدهار والنمو.
الخاتمة
زميلي رائد الأعمال، أدرك تماماً أن الطريق الآن مظلم جداً وأنك منهك من خوض هذه المعارك التي لا تنتهي ولكن لا تيأس يا صاحبي ولا تكتئب ولا تدع الشك في قدراتك للخروج من هذه الأزمة يدخل قلبك ولو للحظة. أنت تمر بنفس الظروف التي أمر بها أنا وغيرنا من رواد الأعمال في المنطقة بل وفي العالم. أنت استطعت الخروج من العديد من المآزق سابقاً وستستطيع بحول الله الخروج من هذا المأزق ودائماً تذكر أن التوفيق والنجاح هو بيد الله فقط فادعوا الله دائماً وأبداً واعمل بذكاء واجتهاد، وبإذن الله سترجع لهذه المدونة بعد سنة وأنت في مكان أفضل بكثير من الآن.
زميلك: عبدالله عسيري
إن الذي يرتجي شيئاً بهمتــــــه يلقاه لو حاربتــــــه الإنس والجــن
فاقصد إلى قمــم الأشياء تدركها تجري الرياح كما رادت لها السفن