مقالات

كاش حتى الاقلاع

بالإضافة إلى شغفي بالاستثمار الجريء لدي شغف بالطيران. استمتع بالطائرات وزيارة المطارات، بتصاميمها واختلاف أنواعها بالإضافة إلى أخبار شركات الطيران، الغريب أن مجال الطيران يتقاطع بطريقة ممتعة وتصويرية مع الاستثمار الجريء. حيث أن عالم ريادة الاعمال يستخدم بعض المصطلحات من صناعة الطيران.

اعتدنا على تسمية المساحة المستطيلة التي تسلكها الطائرات من أجل الإقلاع والهبوط في المطارات بالمدرج، فعند تصميم المطارات يتم تقدير طول المدرج الأمثل لضمان اقلاع الطائرة وهبوطها بسلام. فإذا كان المدرج قصيراً قد نتمكن من توفير المال أثناء بناء المطار ولكن قد لا يتمكن الطيارون من الهبوط والاقلاع بشكلٍ أمن، وإذا كان المدرج طويلًا جداً نكون قد أهدرنا موارد مالية كبيرة دون قيمة مضافة. نفس التقديرات التي تنطبق على تصميم المدرج في المطار تنطبق على تصميم المدرج المالي للشركة الناشئة وتوفير الاحتياجات المالية اللازمة للشركة للإقلاع إلى الجولة الاستثمارية القادمة أو الوصول إلى الربحية بأذن الله.

المدرج Runway

هو المدة الزمنية المتبقية للشركة لممارسة أعمالها قبل نفاذ النقد (الكاش) ويعبر عنها دائماً بعدد أشهر. فإذا حصل رائد الاعمال على مبلغ أقل مما يحتاج لن يتمكن من تحقيق أي إنجازات تذكر قبل إطلاق الجولة الاستثمارية التالية وهذا سوف ينعكس سلباً على قيمة الشركة. أما إذا حصل على مبالغ تتجاوز احتياجه بكثير سيكون باع حصة كبيرة من شركته في مرحلة مبكرة (أضاع موارد مالية كما في حال مدرج المطار الطويل)

قبل حساب المدرج Runway نحتاج إلى حساب ما يعرف بمعدل الحرق Burn Rate وهو أيضاً مصطلح آخر من صناعة الطيران.

معدل الحرق Burn Rate

هو صافي المبلغ النقدي الشهري الذي تنفقه الشركة الناشئة لتمويل عملياتها (هو الفرق بين التدفقات النقدية الإيجابية والتدفقات النقدية السالبة). على سبيل المثال، إذا قيل إن شركة لديها إيرادات تقدر ب 100 ألف ريال سعودي شهرياً وتكاليفها تقدر بـ 200ألف ريال سعودي شهرياً، فإن معدل حرقها كالتالي:

100,000 -200,000 = 100,000- ريال شهرياً

أي ان الشركة تنفق 100,000 ألف ريال شهرياً

لحساب المدرج أو الـ Runway  نقوم بتقسيم النقد في البنك (الكاش) على معدل الحرق الشهري للحصول على عدد الأشهر المتبقية قبل نفاذ النقد (الكاش). مثلاً: لنفرض أن رائد أعمال نجح في اغلاق جولة استثمارية بـ 2 مليون ريال سعودي. علماً بأن معدل الحرق للشركة هو  100 ألف ريال سعودي.

لحساب الـ Runway  نقوم بتقسيم 2,000,000 / 100,000 = 20 شهر قبل نفاذ النقد (الكاش)

من خبرتي في تمويل الشركات والاستثمار ومن خلال تجارب الكثير من الشركات التي مرت علي، أستطيع القول بأن عدم توفير الموارد المالية وسوء إدارة النقد هو السبب الأكبر في فشل نسبة كبيرة من الشركات في مختلف القطاعات. قد تكون الشركة تتمتع بهوامش ربحية عالية ولكن تفتقر إلى النقد الذي يمول عملياتها فالربحية تختلف عن السيولة. لذا يجب أن يتأكد رائد الاعمال من ان لدية مدرج Runway  كافي قبل الإقلاع.

أربعة طرق لزيادة طول الـ Runway:

  • زيادة الإيرادات (مع الحرص على مؤشرات صحية للتحصيل من العملاء)
  • تخفيض النفقات
  • الحصول على تمويل (الاقتراض)
  • إغلاق جولة استثمارية

في أغلب استثماراتنا نستهدف توفير سيولة مالية كافية لمدة تتراوح بين 18 إلى 24 شهراً للشركات التي نستثمر بها، وهذا يوفر مدة تتراوح بين 12 إلى 15 شهراً للشركة لتحقيق المستهدفات المطلوبة (Milestones) (إطلاق المنتج الاولي، زيادة عدد المستخدمين، زيادة الـ MRR،،،، إلخ) حتى يتمكن رائد الاعمال من التركيز على شركته وتحقيق إنجازات دون القلق بشكل مستمر بخصوص النقد (الكاش) قبل البدء في جولة استثمارية جديدة والتي عادة ما تستغرق بين 3 إلى 6 أشهر.

أما إذا كان الاستثمار يغطي فترة تتجاوز 18 شهراً بفترة طويلة، قد يكون رائد الاعمال باع حصة أكبر مما يجب في شركته أو أن المستهدفات المطلوبة ليست بالجرأة الكافية. وعلى النقيض عند إغلاق جولة استثمارية بسيولة لا تكفي لفترة 18 شهر سوف تتعرض الشركة لضغوط مالية تأثر على عملياتها واستقرارها وتضطر لأطلاق جولة استثمارية أخرى دون تحقيق مستهدفات تزيد من قيمة الشركة.

أنصح دائماً بالحفاظ على معدل حرق منخفض قدر الإمكان بما لا يتعارض مع استمرارية معدل النمو المستهدف لتحقيق المستهدفات “Milestones” المطلوبة. أما إذا كانت الشركة تتمتع بمعدل حرق سلبي أي أن الشركة بدل من تحقيق خسائر شهرية تمكنت من تحقيق أرباح وهذا وضع مثالي يمكن الشركة من بناء مراكز مالية قوية (سيولة) تمنح الشركة ملاءة مالية تمكنها من انتهاز الفرص وتجاوز الازمات.

كما أن من أفضل الممارسات للمؤسسين المميزين الاحتفاظ بشكل مستمر بنموذج مالي على شكل إكسل (excel) يتم تحديثه بشكل دوري ويعطي صورة واضحة عن النقد في البنك ومعدل الحرق والمدرج بمجرد تحديث الافتراضات بناء على المستجدات.

إن حساب الـ Runway قبل البدء بالحصول على الاستثمار من أهم القرارات التي يقوم بها رائد الاعمال الناجح، فمن خلال تقدير الاحتياجات المالية المناسب لشركته بدقة يتفادى الكثير من الأخطاء الشائعة:

  • إغلاق جولة استثمارية أكبر من احتياجات الشركة

قد يفكر بعض رواد الاعمال بالحصول على استثمار يغطي احتياجات شركاتهم لمدة سنتين أو أكثر، ولكن على العكس أن توفر سيولة أكبر من احتياجات الشركة في مرحلتها قد يكون نقمة. فكلما قل الضغط على فريق الشركة كلما كانوا أكثر تساهلاً في تحقيق المستهدفات. فقد يسعى بعضهم إلى استثمار الكثير من الوقت والجهد في إطلاق تجربة منتج مثالية وتأخير وقت اطلاقها للسوق دون معرفة ما إذا كان العملاء على استعداد لاستخدامه. مرت علينا مجموعة شركات استثمرت سنوات في تطوير منتج يسعى للكمال وتفاجأوا بعدم قبول العملاء للخدمة المقدمة أو بسرعة وصول منافسيهم واستحواذهم على حصة مأثرة في السوق.

  • إغلاق جولة استثمارية أقل من احتياجات الشركة

وعلى النقيض، قد يسعى بعض رواد الأعمال للحصول على استثمار أقل بكثير من احتياج الشركة. وهذا قد يزيد الضغط على الشركة وفريقها بشكل مخيف جداً ولا يعطيهم مساحة للمحاولات والتجربة. تخيل أن فريق الشركة قضى أشهر طويلة على تطوير منتجها واكتشفوا بعد إطلاق النسخة التجريبية بأنها تحتوي على أخطاء تحتاج إلى إصلاح أو تبين أن المنتج لا يلبي احتياجات المستخدمين بشكل كافٍ. فيجب تقدير الوقت والموارد المطلوبة بدقة وتوفير مساحة للمحاولة والاخطاء لا قدر الله.

أحياناً، نلتقي بمؤسسين يحاولون الحصول على استثمار يكفي لمدة 3-6 أشهر حتى يتمكنوا من تحقيق بعض المستهدفات الصغيرة ومن ثم جمع المزيد من المال على تقييم أعلى. وفي رأيي أن هذا من القرارات غير الحكيمة، فكلما زادت الحاجة إلى جمع الأموال، زاد الوقت الذي يضيعه فريق الشركة في جمع الأموال بدلاً من البناء، وزادت فرص نفاد الأموال في مرحلة ما.

إذا كنت بحاجة إلى إغلاق جولة استثمارية صغيرة كل 6 أشهر، فإن هذا يعرض الشركة إلى 3 فرص محتملة للفشل في اغلاق 3 جولات استثمارية على مدى 18 شهراً. صحيح أن رائد الاعمال قد يتخلى عن ملكية أكبر مرة واحدة كل 18 شهر، لكنه يعرض نفسه والشركة لضغوط إغلاق جولة استثمارية واحدة ويركز وقته وجهده على العمل والبناء بدلاً من التساؤل عما إذا كان سيتمكن من توزيع الرواتب في وقتها.

  • عدم توقع الوقت اللازم لإغلاق الجولة الاستثمارية القادمة

وهذا من أكثر الأخطاء شيوعاً، أن ينسى رائد الاعمال أنه بحاجة لتحقيق المستهدفات المطلوبة خلال 12 إلى 15 شهر وابهار المستثمرين خلال الأشهر الأخيرة بالمستهدفات التي تم تحقيقها والتي سوف تنعكس ايجاباً على قيمة الشركة وإغلاق الجولة الاستثمارية قبل نفاذ النقد (الكاش). فكثير من رواد الاعمال يبدأ بالحصول على الاستثمار بشكل متأخر جداً جداً مما يضعه في موقف صعب فالمستثمر يحتاج وقتاً كافياً للتعرف على الشركة واتخاذ قرار. والشركة التي بحاجة للحصول على المال بشكل مستعجل تضطر لقبول شروط استثمارية صعبة أو ليست من صالح الشركة ولا تحظى بوقت كافي للمفاوضات.

 

إن مقالاً واحداً لا يعطي موضوع النقد وإدارة الموارد المالية للشركات الناشئة حقه من الأهمية. ولكنه فرصة لمشاركة مفاهيم ضرورية. حيث تناولت مفهوم المدرج Runway ومعدل الحرق Burn Rate وأفضل الممارسات في هذا المجال، بالإضافة إلى تسليط الضوء على بعض الأخطاء الشائعة.

كلي امل أن يعطي رواد الاعمال موضوع متابعة التدفقات النقدية الاعتبار الكافي، فهو شريان الحياة للشركات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى