مقالات

هل الاستحواذ على البنوك هو التوجه الجديد لشركات التقنية المالية؟

يشهد العالم اهتمامًا متزايدًا بشركات التقنية المالية خاصة في المناطق التي توفر فيها هذه الشركات خدمات لا يمكن للمواطنين العاديين فيها الاستفادة من خدمات مشابهة عبر البنوك والمؤسسات المالية التقليدية. فهذه الشركات تتيح لهم الدفع بسهولة على سبيل المثال من خلال إنشاء حسابات بسيطة دون الحاجة للتعقيدات الخاصة بفتح حسابات بنكية، كما تمكنهم من الوصول لأموالهم من أي مكان وفي أي وقت، وغيرها من التسهيلات.

وفيما تعتبر التعاملات المالية في الدول المتقدمة أسهل مقارنة مع غيرها، لأن معظم الناس يملكون حسابات بنكية ويستطيعون الحصول على بطاقات ائتمان ودفع عبر بنوكهم، يعاني أغلب سكان العالم خاصة في الدول ذات الكثافة السكانية العالية بالحصول على امتيازات مماثلة، لذا يجد الناس في خدمات شركات التقنية المالية لإتمام معاملاتهم طريقة سلسة؛ وهو الأمر الذي نراه في بلدان مثل البرازيل وباكستان والأرجنتين والمكسيك وإندونيسيا ومصر في منطقتنا العربية حيث يبلغ عدد السكان الذين لا يحصلون على خدمات بنكية فيها لنحو 67%.

وتشير الأرقام أنه في أمريكا اللاتينية على سبيل المثال، التي تعد من أكبر المناطق اقبالًا واحتضانًا ونشاطًا في قطاع التقنيات المالية، هناك 50% من السكان في القارة ليس لديهم أي وصول للخدمات البنكية، فيما يصل نحو 21% للخدمات الائتمانية من السكان في الوقت الذي نرى 71% من سكان الولايات المتحدة لخدمات مشابهة.

شركات التقنية المالية التعويض الجاهز للتعاملات البنكية

دفع الاهتمام والاقبال على خدمات التقنية المالية لتعويض عدم قدرتهم على الوصول للخدمات البنكية التقليدية إلى سيطرة شركات التقنية المالية على تعاملات العديد من الأسواق، فنرى خدمة فوري على سبيل المثال تتواجد في معظم المعاملات المالية للمصريين، واستطاعت في 2019 أن تكون أول شركة تقنية ناشئة يتم طرحها في أحد بورصات المنطقة (البورصة المصرية)، وأصبحت كذلك أول شركة تخطت مليار دولار أمريكي في قيمتها السوقية. وقد ساعدها هذا الأمر بالتوسع والاستحواذ والاستثمار في عدة شركات توفر خدمات مالية مختلفة من الدفع للإقراض وغيرها.

لكن بعيدًا عن مصر، ذهبت شركات التقنية المالية في العالم إلى اتجاه مختلف خاصة في أمريكا اللاتينية، فبدلًا من الاستحواذ على الخدمات الأخرى أصبحت تستحوذ على البنوك للتوسع وتوفير خدماتها بأريحية أكبر محليًا وخارجيًا.

وبذلك تغيرت فكرة استحواذ البنوك والمؤسسات المالية على شركات التقنية المالية إلى العكس، خاصة مع القيمة السوقية التي استطاعت شركات التقنية المالية بلوغها في الفترة الأخيرة وقدرتها على شراء الأصول ذات القيمة العالية، حيث تمكنت شركة Nubank البرازيلية الناشئة من رفع قيمتها إلى 30 مليار دولار أمريكي لتكون رابع أكبر مؤسسة مالية في البرازيل متخطية العديد من البنوك العريقة والخامسة في أمريكا اللاتينية ككل، والحال كذلك مع Checkout.com التي جمعت مؤخرًا مليار دولار أمريكي ورفعت معها قيمتها السوقية إلى 40 مليار دولار أمريكي، لتكون أعلى شركة تقنية بريطانية خاصة قيمة سوقية، بجانب Stripe الإيرلندية التي رفعت قيمتها في مارس 2021 لنحو 95 مليار دولار أمريكي، وخدمة الشراء والدفع لاحقًا السويدية، Klarna، التي وصلت قيمتها 45.6 مليار دولار أمريكي في يونيو 2021.

عمليات استحواذ ضخمة

بعد تمكنها من تحقيق نمو يفوق 250% خلال العام الأول من تفشي وباء كورونا في العالم، قررت شركة التقنية المالية المكسيكية المتخصصة في إقراض الشركات الصغيرة وتأسست عام 2015، Credijusto، اتخاذ خطوة جريئة والاستحواذ على بنك Banco Finterra، المتواجد في المكسيك كذلك مقابل 50 مليون دولار أمريكي. وقد فتحت بذلك آفاقًا جديدة لشركات التقنية المالية الناشئة.

ويعلل مؤسس التطبيق اتخاذ هذه الخطوة بأن شراء بنك جاهز يوفر سنوات من العمل لبناء بنك من الصفر، وهو ما يوفر على شركته بالتالي سنوات من العمل للتوسع والحصول على عملاء جدد.

تعتبر المكسيك من أقل الدول التي تمنح بنوكها قروضًا ائتمانية للشركات والأفراد، ورغم تواجد 51 بنكًا فيها، يقوم جزء قليل منها فقط بمنح القروض الائتمانية للناس. وهذا الأمر ساهم في توجه الجهات ذات الحاجة لشركات مثل Credijusto للحصول على قروض لدعم مشاريعها. وساعد الشركة في مضاعفة رصيدها من القروض الائتمانية بعد الاستحواذ.

في جنوب أمريكا اللاتينية وتحديدًا في الأرجنتين، قامت شركة التقنية المالية، Ualá، التي تأسست عام 2017 وتتجاوز قيمتها ملياري دولار أمريكي وتوفر خدمات الدفع والمحافظ الرقمية للمستخدمين، بعقد صفقة للاستحواذ على بنك ABC Capital المكسيكي. وسيساهم هذا الاستحواذ سيساعد في توسع Ualá في أمريكا اللاتينية بداية من المكسيك، حيث وفرت على نفسها الكثير من المعاملات القانونية والتنظيمية من خلال الاستحواذ على ABC Capital، الأمر الذي سيساعدها كذلك في التوسع للولايات المتحدة مستقبلًا.

ولم يخلُ موضوع الاستحواذ من بلدان مثل الولايات المتحدة، حيث قامت شركة التقنية المالية، BM Technologies، التي تأسست عام 2015 وتقدم البرمجيات البنكية كخدمة بالاستحواذ على بنك First Sound Bank بصفقة تقدر بقيمة 23 مليون دولار أمريكي.

الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتوجه الجديد

عام 2015، كان عدد شركات التقنية المالية منخفضًا مقارنة بحجم السوق والتعاملات المالية، حيث كان هنالك نحو 30 شركة في الإمارات، و17 شركة في مصر، و15 شركة في كل من الأردن ولبنان. وحتى 2020، استحوذت الإمارات على نسبة 24% من مجموع شركات التقنية المالية في المنطقة مع 134 شركة تعمل هناك بفضل التنظيمات المختلفة التي تقدمها الدولة، تبعتها مصر والمغرب بنسبة 12% من الحصة، ثم تونس بنسبة 10%.

وبالرغم أنها لم تكن ضمن الأعلى في القائمة من حيث عدد الشركات المسجلة سابقًا، تتخذ المملكة العربية السعودية مكانة خاصة في السوق مؤخرًا بسبب حجم السوق وتعاملاته وقيمة الشركات وفي مقدمتها تمارا، التي حصلت على استثمار بقيمة 412 مليون ريال سعودي (110 مليون دولار أمريكي) العام الماضي من Checkout.com، لتكون واحدة من أعلى الشركات التقنية قيمة في المنطقة خاصة الجزء الآسيوي. وكذلك الحال مع Paytabs، الأولى من نوعها في السعودية، قبل وصول عدد شركات التقنية المالية المسجلة في المملكة إلى 155 شركة في الوقت الحالي وفقًا لأرقام فنتك السعودية.

فيما يتوقع أن يصل عدد شركات التقنية المالية بمنطقتنا العربية خلال العام الحالي إلى أكثر من 800 شركة تقنية مالية مختلفة في تخصصات مثل المدفوعات الرقمية، المصرفية المفتوحة، التأمين، الإقراض والتمويل، وغيرها. فإن التوجه العام لا يوحي بقدرة أي منها على الاستحواذ على بنوك محلية في المستقبل القريب إذا استثنينا شركة فوري المصرية من القائمة، لكن من المنتظر أن تشهد الشركات حالة من الازدهار والنمو خاصة مع وجود ما يقارب من نصف سكان المنطقة تحت 25 سنة، واقبالهم الكبير على الحلول الرقمية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى