مقالات

التجارة الإلكترونية السريعة في المنطقة – مستقبل التجارة الإلكترونية الموعود

لا يخفى على أحد تطور التجارة الإلكترونية في السنوات الأخيرة واهتمام مستثمري رأس المال الجريء في دعمها كونها واحدة من أهم القطاعات اشراقًا، لكن هذا القطاع بدأ يأخذ منحنى جديد في السنوات الأخيرة الماضية مع تطوره ليواكب السرعة الكبيرة في التطور العالمي ويكون أكثر سرعة من النظام التقليدي؛ وهو ما أطلق عليه مصطلح التجارة الإلكترونية السريعة أو سريعة التوصيل (Q-Commerce).

تعني التجارة الإلكترونية السريعة توصيل المنتجات خلال وقت قصير لا يتجاوز بضع دقائق أو ساعات على حسب المنتجات والمنطقة الجغرافية، وهو تطور لافت مقارنة مع نظام التجارة الإلكترونية الذي عرفناه لسنوات وكان يعتمد على التوصيل خلال أيام وأحيانًا أسابيع على حسب المنطقة الجغرافية وقدرة المنصات نفسها على التوصيل. لذا، كان لظهور نموذج التجارة سريعة التوصيل تأثيرًا واضحًا على إعادة التفكير في شكل مستقبل التجارة الإلكترونية وتبني هذا النوع.

يتوجه رأس المال الجريء مع القطاعات الواعدة والأفكار الجديدة بطبيعة الحال، وإذا قلنا إن التجارة الإلكترونية سريعة التوصيل من أهم تلك القطاعات، فهذا يعني أن صناديق الاستثمار الجريء ربما تبدأ بالتركيز أكثر على الشركات التي تتبنى نموذج التجارة الإلكترونية السريعة في السنوات المقبلة، خاصة وأن التجارة الإلكترونية من أكثر القطاعات استقطابًا للاستثمارات في المنطقة العربية لاسيما المملكة العربية السعودية، بجانب التقنيات المالية.

نمو ضخم

يستحوذ قطاع التجارة الإلكترونية السريعة على 7% من قيمة سوق التجارة الإلكترونية بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والبالغة 30 مليار دولار أمريكي وفقًا لغارنر. ويتوقع أن ترتفع هذه النسبة بشكل ملحوظ على مدار السنوات المقبلة ليستحوذ على نسبة أكبر من قطاع التجارة الإلكترونية، حيث وفقًا لمؤسسة RedSeer Management Consulting، ستصل قيمة سوق التجارة الإلكترونية السريعة وحدها 20 مليار دولار أمريكي في السنوات الثلاثة المقبلة، كما من المتوقع أن تبلغ 47 مليار دولار أمريكي بحلول 2030.

فيما ينتظر أن تحقق التجارة الإلكترونية نموًا كبيرًا في جميع أسواق المنطقة خلال الفترة المقبلة، فإن المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر سيكون لها النصيب الأكبر من هذا التطور، فعلى سبيل المثال يقوم 95% من مستخدمي الإنترنت في السعودية والإمارات بطلب منتجاتهم عبر الإنترنت خاصة عبر منصات التوصيل السريع.

نماذج عمل مختلف تساهم في نمو التجارة الإلكترونية السريعة

ربما عند الحديث عن التجارة سريعة التوصيل يتم التركيز بشكل أكبر على خدمات التوصيل الخاصة بالبقالة والطعام، لكن الحقيقة أن هذا القطاع يرتبط بنماذج عمل مختلفة ومبتكرة ومنصات تختص بتوصيل منتجات مختلفة ومتنوعة.

تساهم منصات الخدمات السحابية المختصة بتقديم الأنظمة كبرمجيات (SaaS) بنسبة كبيرة من تطور قطاع التجارة الإلكترونية، حيث تساعد المطاعم والمتاجر والصيدليات وغيرها على تنفيذ أعمالها بطريقة سهلة. وتكون هذه المنصات في معظم الأحيان منفصلة بذاتها بحيث تقدم هذا النوع من الخدمات للراغبين بدخول قطاع التجارة الإلكترونية، لكن في بعض الأحيان تطور منصات التوصيل والمتاجر نموذج عملها الخاص دون الاعتماد على مزودي الخدمات السحابية.

وتندرج منصات توصيل الطعام والبقالة، توصيل الأدوية، مستحضرات التجميل، السياحة الإلكترونية، الخدمات اللوجستية والتوصيل تحت قائمة المنصات التي تدعم التجارة سريعة التوصيل وهو الحال مع منصات المطابخ السحابية التي تتبنى هذا النموذج في عملها، كما أن منصات أخرى ظهرت مؤخرًا بشكل تخصصي أكبر بدأت بالدخول لهذا القطاع مثل منصات توصيل الأعشاب والعطارة على سبيل المثال.

تبني النموذج سريع التوصيل

فيما بدأت الكثير من الشركات السابقة تبني نموذج التوصيل السريع أو الإعلان عن خطتها لدخول القطاع، ظهرت شركات أخرى تتبنى هذا النموذج من البداية في العديد من أسواق المنطقة، وقد حظيت مع ظهورها بدعم قوي من صناديق الاستثمار الجريء والمستثمرين الملائكيين في مراحلها المبكرة.

واستطاعت منصة التوصيل السريع المصرية رابيت “Rabbit” استقطاب 11 مليون دولار أمريكي في جولة استثمارية (Pre-Seed) في نوفمبر 2021 لتكون أكبر جولة من هذا النوع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكذلك الحال مع تطبيق بلي العراقي الذي حصل في يناير 2022 على استثمارات بقيمة 10.5 مليون دولار أمريكي بالتزامن مع إطلاق خدماته.

ويُعد هذا الارتفاع في قيمة الجولات الاستثمارية في مراحل (Seed) و (Pre-Seed) دلالة قوية على الاهتمام بالنموذج سريع التوصيل ومحاولة صناديق الاستثمار الجريء استغلال هذه الفرصة المواتية مبكرًا.

كما أن إغلاق شركة مثل ريتيلو جولة استثمارية بقيمة 135 مليون ريال سعودي (36 مليون دولار أمريكي) يؤكد أن الاهتمام لا يقتصر على الشركات التي يركز عملها على التوصيل النهائي للمستهلكين، كونها تعتمد في عملها على توصيل المنتجات للمتاجر وليس للمستهلك النهائي، لكنها تنتهج التوصيل السريع لمتاجر التجزئة خلال نفس اليوم.

ختامًا

تظهر الأفكار وتتنافس الشركات لخدمة المستهلكين لأنهم العامل الرئيس في نمو الشركات، وبما أن الجمهور يرغب دائمًا بالحصول على ما يريد بأسرع وقت، فإن قطاع التجارة الإلكترونية السريعة سيكون القطاع الذي يستحق الاهتمام في السنوات المقبلة وبكل تأكيد سيشهد توجه كبير لرأس المال الجريء في المنطقة أو من الصناديق الاستثمارية العالمية التي تهدف لاستغلال الفرصة الهائلة للنمو في هذا القطاع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى