مقالات

عمل المحامي في الجولات التمويلية

تشهد الساحة الاستثمارية في المملكة العربية السعودية في وقتنا الحاضر جولات تمويلية لعدّة شركات في مجالات شتى، وأيًّا كان نوع تلك الجولة ومجالها فالمحامي المتضلع من القوانين والأنظمة له أثر مباشر في حسم الجولات الاستثمارية وإتمام الصفقات التمويلية، هذا مع القدرة على حماية مصالح عميله. وقد وجدنا بعد النظر والتتبع أن كثيرًا من الشركات تغفل أهمية المحامي، ومن هنا رأينا أن نتناول في هذا المقال أبرز النقاط الجوهرية التي يجب على الشركة وضعها ضمن خطة عمل المحامي، وذلك قبل انطلاق الجولة التمويلية وأثناءها وبعدها، وسنجمل تلك النقاط في ثماني إضاءات، وفيما يلي شرحها:

أولًا: تقديم المشورة القانونية قبل بدء الجولة التمويلية:

قبل بدء الجولة، يقدم المحامي مراجعة شاملة عن البنية القانونية للصفقة، ليساعد عميله في فهم التأثيرات القانونية لخيارات التمويل المختلفة، ويكون ذلك بعرض جميع الخيارات والسيناريوهات المحتملة منذ الشروع  في تلك الجولة التمويلية، حيث يقدم المحامي المشورة بعد النظر إلى نوع الشركة وقرار الشركاء وصلاحياتهم في الموافقة على الدخول في تلك الجولة، ويتأكد من استيفائها لشروط قواعد فتح الحسابات البنكية وآليات تشغيلها الصادرة عن البنك المركزي، وكذلك قواعد هيئة السوق المالية الصادرة في هذا الشأن، بالإضافة إلى أنظمة التمويل الصادرة عن البنك المركزي والتعاميم المتعلقة بها، وتشمل المراجعة القانونية جميع الأنظمة التي يخضع لها نظام الشركة، ولا بد من تعيين طريقة الجولة التمويلية وحجمها ونوعها، والمقصد أن المحامي يفحص جميع هذه المسائل القانونية قبل الدخول في الجولة.

وبعد الوصول إلى خلاصة قانونية تأتي التوصية بالدخول في تلك الجولة مع إبداء بعض الملاحظات القانونية المهمة، وفي بعض الأحيان قد ينصح المحامي بعدم الدخول أو البدء في تلك الجولة من دون استيفاء أحد المتطلبات القانونية.

هذه الخطوة الاستباقية من المراجعة القانونية تجعل الشركة مستعدة لخوض الجولة وضمان عدم تعثرها، فالمشورة القانونية ستسرع الجولة وتضمن موثوقيتها التمويلية لدى العميل والأطراف الأخرى.

ثانيًا: إعداد وتنقيح ومراجعة العقود المرتبطة بتلك الجولة:

في هذه الخطوة، يصيغ المحامي جميع العقود القانونية المتعلقة بالتمويل ويراجعها مراجعة دقيقة، ومن تلك العقود والاتفاقيات: عقود التمويل، واتفاقيات الضمان، واتفاقيات تسوية الديون، ومذكرات التفاهم، والقرارات المتصلة بها، وهذا الإعداد للعقود من صميم عمل المحامي، لأنه هو الذي يجسد إرادة الأطراف في بنود قانونية ملزمة تحقق الهدف الأساسي المرجو تحقيقه من ذلك الاتفاق، وهذه البنود تضمن حقوق الأطراف، كما تبين بوضوح نوع العلاقة التعاقدية قبل مراحل الجولة التمويلية.

ثالثًا: فحص ومراجعة الوثائق والمستندات:

تتطلب الجولة التمويلية فحص الوثائق والمستندات، منها على سبيل المثال: الوكالات، النظام الأساس للشركة، عقد تأسيس الشركة، قرار الشركاء. وكل هذه المستندات تحتاج إلى محامٍ مختص لفحصها والتأكد من وفائها للقوانين وصلاحيتها، فالوكالة قد تتضمن قيودًا تمنع من إجراء معين، مثل: التوقيع أو الاتفاق أو إبرام عقد.

والأصل أن عقد التأسيس يتضمن تفاصيل إدارة الشركة ويوضح من هو المفوض بالتوقيع ومدى صلاحيته، فكل هذا يحتاج إلى مراجعة قانونية دقيقة لضمان قانونية تلك المستندات والوثائق.

رابعًا: تنظيم الهيكل القانوني للجولة التمويلية:

يعمل المحامي على تنظيم الهيكلة القانونية للجولة التمويلية، وذلك بتمثيل إرادة الأطراف وتحقيق استراتيجياتهم وأهدافهم التجارية، ولا يتم ذلك إلا بعد رسم الهيكل القانوني للجولة التمويلية، ولا بد له من تحديد المرحلة التي يبتدأ منها قبل خوض الجولة بالإضافة إلى ترتيب الموافقات والقرارات والعقود حسب الأولوية القانونية.

خامسًا: التفاوض وتحليل المخاطر:

للمحامي إسهام قوي في مرحلة التفاوض مع الشركات أو الأفراد خلال مراحل الجولة التمويلية، فبوسع المحامي أن يتواصل مع جميع الأطراف التي لها صلة بهذه الجولة، والهدف من هذا التفاوض هو تجسيد رغبات عميله خلال الجولة التمويلية، بالإضافة إلى تحليل المخاطر القانونية المحتملة إثر تلك الجولة، وينبغي للمحامي أن يزوّد العميل بنموذج تحليلي يتضمن جميع المخاطر القانونية التي يمكن أن تحدث وسبل الوقاية منها.

سادسًا: الامتثال القانوني:

يعمل المحامي بخبرته القانونية في التأكد من أن جميع الوثائق والإجراءات متوائمة مع الأنظمة، وينبغي له أن يضمن للعميل بأن الجولة التمويلية مستوفية لجميع الالتزامات القانونية، وهذه المهمة من أهم المهام التي ينهض بها المحامي قبل بدء الجولة التمويلية، وهي تمنح العميل وأصحاب رؤوس الأموال الثقة والطمأنينة. ومن أبرز مسائل الامتثال التي يُعنى بها المحامي على سبيل المثال: التثبت والتأكد من امتثال الجولة التمويلية لتعليمات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وغيرها من التعليمات والقواعد والأنظمة المتصلة بالتمويل، ومن ثّم فإن الامتثال القانوني صمام أمان لجميع الأطراف، وفيه ضمان لشرعية الجولة حتى لا يصيبها التعثر والإخفاق.

سابعًا: تسوية النزاعات:

على المحامي تسوية النزاعات التي قد تحدث خلال مراحل الجولة التمويلية، ولا شك أن اختصاصه يخول له حل النزاع على نحو سريع، ومن الأهمية القصوى أن يضع المحامي بنودًا توضح آلية حل النزاع عند حدوثه، لأنه من الوارد أن يحدث النزاع والخلاف خلال أي مرحلة من مراحل الجولة التمويلية، وفي المجمل وجود المحامي يساهم في تسوية أي منازعات قانونية قد تتفاقم وتعطل بدء الجولة التمويلية ونجاحها.

ثامنًا: حماية الملكية الفكرية وسريّة البيانات:

لا شك أن حماية الملكية الفكرية والحفاظ على سرية البيانات من أهم الأعمال القانونية التي يتكفل بها المحامي خلال الجولة التمويلية، فلو كانت الجولة تنطوي على فكرة مبتكرة أو نموذج مبتكر، فعلى المحامي أن يضمن لشركاء التمويل حماية تلك الفكرة أو النموذج وذلك وفق ما تقتضيه التعليمات الصادرة عن الهيئة السعودية للملكية الفكرية، ومن جهة أخرى يمكن للمحامي توقيع اتفاقيات عدم الإفصاح بحيث تشمل كافة الجوانب الدقيقة، وكل هذا للحفاظ على سرية البيانات التي قد يتم تداولها قبل بدء الجولة التمويلية.

وختامًا، لا بد أن نشير إلى أن الجولات التمويلية فيها قدر من الاختلاف، وذلك حسب طبيعة كل جولة ونطاقها، فبعض الجولات قد تخضع لعدة قوانين وأنظمة متداخلة، والواجب على الشركة ضمان استيفاءها لكافة الأنظمة والقوانين المرتبطة بالشركة والجولة، وقد مر بنا من خلال المقال أن للمحامي إسهامًا مباشرًا في إنجاح ذلك ويكون عمله أعمق وأبعد من تقديم المشورة فقط، بل يتعدى عمله واختصاصه إلى حماية مصالح عميله وضمان تنفيذ تلك الجولة بصورة قانونية سلسة، وخلاصة القول: إن اختيار المحامي الخبير وتحديد نطاق عمله بدقة وفهم طبيعة عمله واختصاصه، كل ذلك يساهم في نجاح الجولة التمويلية ويقلل من أي مخاطر أو عثرات قانونية قد تحدث خلال أي مرحلة من المراحل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى