مقالات

تعزيز العلاقة بين الجهات الحكومية والشركات الناشئة في دول مجلس التعاون الخليجي من خلال بناء برامج شراء حكومية 

بقلم رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي في فلاورد عبدالعزيز باسم اللوغاني

تشكل المشتريات الحكومية في دول مجلس التعاون الخليجي نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي، بمعدل حوالي 30%. وعلى الرغم من بعض المحاولات للتعاون ما بين القطاع العام والشركات الناشئة للاستعانة بخدماتهم ومنتجاتهم، إلا أن التعاون كان محدودًا جدًا وليس على نطاق واسع، ومن خلال بناء علاقات تجارية مفيدة لجميع الأطراف سيكون بالإمكان تخطي هذه العقبة مما سيعزز من دفع النمو والابتكار في المنطقة بالإضافة إلى تحسين الخدمات المقدّمة. 

التحدي الأكبر الذي تواجهه الشركات الناشئة هو عدم وجود علاقة تجارية (توريد) بينها وبين الجهات الحكومية منذ بداية رحلتها، ويعيق هذا الغياب إتاحة الفرصة للشركات الناشئة لتقديم حلول مبتكرة للتحديات التي تواجهها الجهات الحكومية وتلبية متطلباتها. وإضافةً إلى ذلك، تواجه هذه الشركات اليافعة صعوبات في تلبية الشروط والمتطلبات المستندية نظرًا للنظام البيروقراطي المعقد، مما يسبب عائق في تطوير علاقة مفيدة لكلا الطرفين. 

ويقع الحل في استحداث برنامج مشتريات حكومية بين القطاع العام والشركات الناشئة، في كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي، للاستفادة من شبكة الشركات الناشئة المتنامية. وسيمكّن برنامج الشراء الجهات الحكومية للتعرف على الخدمات المبتكرة التي توفرها الشركات الناشئة. 

 يقدم الحل المقترح مجموعة من الفوائد لكل من القطاعين العام والخاص، وخاصة الشركات الناشئة.

للقطاع الحكومي

من شأن دمج تقنيات الشركات الناشئة مع شبكة الحكومة وخبراتها الفنية أن يؤدي إلى تحسين الخدمات العامة، وخاصة التركيز على الخدمات الرقمية التي تتمحور حول المستخدم الأخير. ومن شأن هذا التكامل من خلال برنامج المشتريات أن يعرّف الجهات الحكومية على أحدث التقنيات، مما يوفر فرص لاعتماد هذه الحلول المبتكرة وتصميمها.

ومن خلال تبني ثقافة الشركات الناشئة وممارسات العمل المرتبطة بها، يمكن للجهات الحكومية تسريع تقديم الخدمات العامة بطريقة أكثر كفاءة. هذا التعاون له عائد واضح للدولة قابل للقياس.، حيث أن الشركات الناشئة قد تصبح مليارية ولها دور محوري في التنمية الاقتصادية من خلال توليد قيمة كبيرة، مما يساهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي وخلق فرص العمل مباشرة وغير مباشرة، وغالباً ما يحفز التقدم الاقتصادي المحلي والإقليمي.

بالإضافة إلى ذلك، ونظرًا لتقديراتها العالية ودخلها الكبير، يمكن لهذه الشركات الناشئة أن تحقق عائدات ضريبية كبيرة للحكومات. ومن الممكن أن يلهم نجاحهم الحكومات أيضًا للنظر إلى ريادة الأعمال باعتبارها خيارًا مهنيًا ممكنًا، مما يؤدي إلى صياغة سياسات ومبادرات داعمة. وعلى وجه الخصوص، يمكن للشركات الناشئة القائمة على التقنية أن تدفع الدول إلى الأمام في بنيتها التحتية التكنولوجية، مما يعزز قدرتها التنافسية العالمية.

ويمكن للتحديات والمتطلبات الفريدة للشركات الناشئة أن تحفز أيضًا على تحسين سياسات وأنظمة الأعمال، مما يستلزم التكيف الحكومي مع هذه الكيانات الناشئة. علاوة على ذلك، تتمتع الشركات الناشئة الناجحة بالقدرة على جذب الاستثمار الأجنبي، وزيادة تدفق رأس المال وتعزيز الوضع المالي للدولة.

للشركات الناشئة

إن التعرّف على أدق تفاصيل القطاع العام من الممكن أن يؤدي إلى تعميق فهم الشركة الناشئة للاحتياجات الحكومية، وبالتالي تعزيز المزيد من الإبداع. يزود برنامج المشتريات الشركات الناشئة بالموارد ورأس المال والشبكات وبيئة مواتية لاختبار ابتكاراتها. على الرغم من أن تأمين العقود مع الحكومة قد يشكل تحديات أمام الشركات الناشئة، إلا أن هذه الشراكات المستقرة وطويلة الأجل يمكن أن تكون مفيدة في تحسين نماذج أعمالها.

يمكن للتعاون مع القطاع العام أن يعزز سمعة الشركة الناشئة محليًا ودوليًا. لظهور شركات مليارية آثار عديدة، إنها تعد بمثابة منارة للإلهام لرواد الأعمال الطموحين، حيث تسلّط الضوء على المكانة العالية التي يمكن أن تصل إليها الشركات الناشئة إذا قدمت منتجًا أو خدمة ممّيزة تلبي طلبًا كبيرًا في السوق.

من خلال تحقيق مكانة المليارية، غالبًا ما تصبح هذه الشركات الناشئة رائدة في مجالها الخاص، وتضع معايير جديدة للمنتجات والخدمات والعمليات التي يمكن للشركات الناشئة الأخرى استخلاص الأفكار منها. إن ضرورة الحفاظ على التقييمات العالية تدفع الشركات الناشئة المليارية إلى الابتكار الدائم، مما يضمن بقائها في صدارة منافسيها.

يتردد صدى ثقافة الابتكار هذه في جميع أنحاء مجتمع الشركات الناشئة. كما تعمل شركات المليارية الناجحة على جذب المزيد من رأس المال الجريء واستثمار الأسهم الخاصة إلى مجال الشركات الناشئة، حيث يبحث المستثمرون دائمًا عن المشروع المربح التالي. علاوة على ذلك، تتمتع الشركات المليارية بخاصية جذب المواهب من الدرجة الأولى نظرًا لسمعتها الرفيعة، وآفاق نموها، وقدرتها على تقديم أجور وامتيازات تنافسية، وبالتالي تنمية مخزون من المهنيين الأكفاء داخل بيئة الشركات الناشئة.

أمثلة دولية الناجحة: 

المملكة المتحدة (السوق الرقمي – “ابتكر في المملكة المتحدة” ): 

قامت الحكومة في المملكة المتحدة بإنشاء سوق رقمي لتبسيط عملية الشراء بين الجهات الحكومية والشركات الناشئة ذات عقود صغيرة، بالإضافة إلى إنشاء سياسة مشتريات تلائم الشركات الصغيرة والمتوسطة. وأدى ذلك إلى تحفيز الشركات الناشئة بالتعاقد مع الجهات الحكومية لتوفير الحلول لهم. و”ابتكر في المملكة المتحدة ” (Innovate UK)، هي جهة ممولة من الحكومة تقوم بدعم الشركات الناشئة البريطانية المبتكرة من خلال التمويل النقدي وغيره من ذلك لتشجيعهم على النمو.  

الولايات المتحدة: 

برنامج أبحاث الابتكار في الأعمال التجارية الصغيرة (Small Business Innovation Research Program)، وبرنامج نقل التقنيات للأعمال التجارية الصغيرة (Small Business Technology Transfer Program)، جدول جي أس أي (GSA Schedule) وChallenge.gov 

يقوم جدول جي أس أي (GSA) في تعزيز العلاقة ما بين الجهات الحكومية والشركات الناشئة حيث تتمكن الجهات الحكومية من شراء السلع ومختلف الخدمات من القطاع الخاص ومنها الشركات الناشئة. وChallenge.gov هي أيضاً منصة تتيح للوكالات الحكومية نشر تحديات تدعو بها الشركات الناشئة لإنشاء حلول مبتكرة لهذه التحديات. وبرنامج نقل التقنيات للأعمال التجارية الصغيرة. 

و(The Small Business Innovation Research and Technology Transfer for Small Business programs) يقوم أيضًا بتمويل الشركات الناشئة لتطوير وتسويق التقنيات الحديثة التي تلبي احتياجات الجهات الحكومية. 

هولندا:

الشركات الناشئة في برنامج المرونة  (Startups in the Resilience Program)، وبرنامج أبحاث الابتكار في الأعمال التجارية الصغيرة (Small Business Innovation Research Program)، ومركز PIANOo.

قامت الحكومة الهولندية بإنشاء “برنامج الشركات الناشئة في برنامج المرونة” (Startups in the Resilience Program) الذي يدعو الشركات الناشئة لتطوير حلول مبتكرة للتحديات التي تواجهها الوكالات الحكومية. ويقوم برنامج أبحاث الابتكار في الأعمال التجارية الصغيرة (Small Business Innovation Research Program) بدعم هذه المبادرة بتمويل الشركات الناشئة والمبتكرة، والشركات الصغيرة والمتوسطة لإنشاء واختبار حلولهم لهذه التحديات. وأما PIANOo، فهو مركز الخبرة الهولندي للمشتريات الحكومية ويوفر التوجيه والدعم بشأن عمليات الشراء الحكومية، مما يمكّن الشركات الناشئة بفهم الإجراءات الحكومية بشكل أفضل.  

الهند:

الشركات الناشئة في الهند (Startup India)، والسوق الإلكتروني الحكومي (GEM)  

برنامج الشركات الناشئة في الهند (Startup India) هو برنامج تأسس في 2016 لترويج ودعم رواد الأعمال والشركات الناشئة في البلاد. وكجزء من هذه المبادرة، تم إنشاء GEM، وهي منصة إلكترونية تبسط من عملية الشراء الحكومي للشركات الناشئة. وساهمت المنصة في ذلك من خلال إزالة بعض العقبات منها إلغاء الحاجة إلى وثائق المناقصات المادية، وإعفاء الشركات الناشئة من تقديم إيداعات الأموال الجادة وتأمين العطاء وتمكنهم من تلقي الطلبات في غضون 45 يومًا.  

سنغافورة:

الشركات الناشئة في سنغافورة (Startup Singapore)، وشراكة الابتكار (Innovation Partnership)، ومركز GeBIZ.

وGeBIZ منصة مشتريات إلكترونية تلبي احتياجات الجهات الحكومية، والموردين، والشركات الناشئة، وقامت الحكومة في سنغافورة بتسهيل عملية المشتريات الحكومية من خلال هذه المنصة. وبالإضافة إلى ذلك، “الشركات الناشئة في سنغافورة” (Startup Singapore هي منصة حكومية تمول وتدعم الشركات الناشئة بعدة طرق ومما يتضمنها توفير الإرشاد ومساعدتهم على بناء العلاقات مع عدة جهات مختصة. وأما شراكة الابتكار (Innovation Partnership) فهو برنامج يشجع التعاون وبناء العلاقات بين القطاع الحكومي والشركات الناشئة من خلال توفير الدعم اللازم للشركات الناشئة لإنشاء حلول مبتكرة للقطاع الحكومي.  

وتعد الأمثلة السابقة معاييرًا للتعاون التجاري الناجح بين الجهات الحكومية والشركات الناشئة، وتوفر إطارًا بإمكان دول مجلس التعاون الخليجي أن تعتمد عليه لتطوير برنامج الشراء الحكومي الخاص بها. وكل من هذه الأمثلة يبرز الفوائد التعاون من كلا الطرفين لتعزيز الابتكار وتحسين الخدمات العامة. 

استراتيجية التنفيذ 

استقطبت الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا استثمارات بما يعادل 4 مليارات دولار أمريكي في جولات استثمار في العام 2022، ومن بينها 2.75 دولار في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة فقط. ومن الضرورة إنشاء برنامج شرائي حكومي تجريبي نظرًا لهذه البيئة الواعدة لريادة الأعمال. وسيشمل هذا البرنامج تعاونًا تجاريًا بين عدد من الجهات الحكومية والشركات الناشئة الواعدة تحت إشراف فريق من الوزارات المعنية. ومع تكوين خبرة كافية وتحديد المشاكل والتحديات المترقبة سيكون بالإمكان تيسير قوانين المشتريات العامة لتعزيز التعاون بين الطرفين.  

خطوات مقترحة لتنفيذ ناجح لبرامج التعاون بين الحكومة والشركات الناشئة 

ولإقامة تعاون متناسق بين الهيئات الحكومية والشركات الناشئة، والاستفادة من هذه الشركات، من المهم أن تتّبع الحكومات نهجًا منظمًا. فيما يلي الخطوات التي نعتقد أنها تضمن التنفيذ الفعّال: 

إطلاق البرنامج التجريبي: البدء بإنشاء برنامج تجريبي حكومي للمشتريات العامة، واختيار جهتين أو ثلاث جهات حكومية وربطها مع شركتين أو ثلاث شركات ناشئة مستعدة وراغبة في التعاون مع الحكومة. يجب أن يشرف على هذه العلاقة فريق متخصص من الجهة الحكومية ذات الصلة وسيكون دورهم محوري في توفير الرقابة الدورية، فضلًا عن المساعدة في اكتشاف الأخطاء وإصلاحها والتغلب على التحديات المحتملة. 

مراجعة وتنقيح التشريعات: بعد اكتساب رؤى وخبرات قيمة من البرنامج التجريبي، وبعد تحديد المشكلات أو التحديات، من المهم إعادة النظر في قوانين المشتريات الحكومية الحالية والتدقيق فيها. ستساعد المراجعة الشاملة في تبسيط المتطلبات اللازمة للشركات الناشئة لتأمين الموافقات اللازمة للمشتريات. وستلعب هذه التنقيحات في الإطار القانوني دورًا أساسيًا في تحقيق تكافؤ الفرص، وتمكين الشركات الناشئة من التنافس على قدم المساواة مع الشركات الكبرى. 

المشاركة في المعارض والمنصات الرقمية: يجب على الجهات الحكومية المشاركة في المعارض واستخدام المنصات الإلكترونية المصممة خصيصًا للشركات الناشئة. من خلال عرض متطلبات منتجاتهم وخدماتهم في مثل هذه المنصات، يمكنهم التفاعل مباشرة مع المؤسسين والموظفين الرئيسيين داخل النظام البيئي للشركات الناشئة. هذا لا يعزز التعاون فحسب، بل يوفر أيضًا للشركات الناشئة فهمًا أوضح لاحتياجات الحكومة.  

تعزيز الرؤية الإعلامية: إحدى الخطوات الحيوية في هذه الخطة، الترويج لبرنامج المشتريات عبر القنوات الإعلامية المختلفة. ومن خلال تعزيز ظهورها، لا تشجع الحكومات الشركات الناشئة على المشاركة فحسب، بل تؤكد أيضًا على أهمية المبادرة. وستحقق الدعاية عن هذه البرامج هدفين، أولهما، تحفيز الشركات الناشئة على التقديم والمشاركة وثانيهما، التأكيد على دور البرنامج في تعزيز جودة وكفاءة المنتجات والخدمات المقدمة للجهات الحكومية.  

ومن خلال اتباع هذه الخطوات، يمكن للحكومات أن تمهّد الطريق لتعاون أكثر شمولاً وابتكاراً وكفاءةً مع الشركات الناشئة، مما يؤدي إلى النمو المتبادل وتعزيز تقديم الخدمات العامة. 

التواصل والتوعية 

ولبناء علاقة تعاونية تجارية متينة بين الجهات الحكومية والشركات الناشئة يتطلب الأمر التفاعل مع بيئة رواد الأعمال. ويمكن تحقيق ذلك من خلال المشاركة في المعارض والمنصات الرقمية، بالإضافة إلى الشفافية بشأن المتطلبات اللازمة للبرنامج، وترويجه عبر وسائل الإعلام المختلفة لتشجيع الشركات الناشئة للمشاركة. ويؤدي ذلك إلى توفير منتجات وخدمات أفضل للقطاع الحكومي.  

وختامًا، يعد برنامج الشراء الحكومي المقترح بتحقيق العديد من الفوائد للجهات الحكومية والشركات الناشئة ومجلس التعاون الخليجي ككل، مما سيخلق عصر جديد من الابتكار والنمو غير المسبق.  

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى