في هذا المقال، يستشرف مهند الملحم مستقبل التجارة والخدمات الالكترونية عبر 14 تلميحة. مهند يعمل مستشاراً للتجارة الالكترونية وناشط في هذا المجال. ونحن في موقع جولة نرحب بالاستاذ مهند ونتشرف بأولى مقالات، كما نتطلع لمشاركاته القادمة.
الإنسان يميل بطبعه إلى الفأل الطيب والتطلع إلى المستقبل والتمني بكل ما هو حسن له وللبشرية جمعاء.
مجال التجارة الإلكترونية بلا شك هو المستقبل وذلك لارتباطه الشديد والقريب بالتقنية التي دخلت حياتنا من كل جانب وأصبحنا لا نصبح ولا نمسي إلا بتواجدها بقربنا من أجل أن تنجز أمورنا بشكل أفضل.
وهذا المستقبل، مستقبل التجارة الإلكترونية؛ مليء بالمفاجآت المشوقة والغامضة في نفس الوقت التي تحتم علينا التطلع له بشكل مستمر وحل مشكلاته والمحاولة للوصول إلى “قمة – utopia” في مجال التجارة الإلكترونية.
يجدر الإشارة بأن مجال التجارة الإلكترونية هنا يشمل التسوق وتقديم المنتجات والخدمات والتقنيات عبر الإنترنت، أنظمة المدفوعات والدفع عبر المواقع والتطبيقات، والخدمات اللوجستية وشحن الطرود.
لن نطيل المقدمات، لذلك دعنا نأخذك الآن عبر رحلة للتعرف على 14 لمحة عن التطلعات والتوقعات في هذا الشأن.
1- الحكومات سوف تبقى تراقب المشهد العام
(wait and see)
ونعني هنا بأن الحكومات سوف تقوم باستخدام الحد الأدنى من الأنظمة والتشريعات لتنظيم عمل سوق التجارة الإلكترونية وتتدخل فقط عند الحاجة للحد من مشكلة معينة أو طرح حلول تسرع من عمل معين.
2- اشتراكات مخصصة حسب حاجة العميل/المستخدم
(Tailored Subscriptions Model)
ونعني هنا بأن الخدمات الرقمية التي تقدم من بعض الشركات أو المواقع ولنقل على سبيل المثال مزود خدمة المسلسلات والأفلام التفاعلية (نتفلكس – Netflix) سوف تكون أكثر تخصصية حسب حاجة العميل/المستخدم الدقيقة. مثال: مهند يحب أن يشاهد الأفلام الوثائقية الخاصة بالمجال المالي فبدلاً من أن يقوم بدفع اشتراكات شهرية بسعر معين لجميع المسلسلات والأفلام المتوفرة في مكتبة نتفلكس فسوف نشاهد اشتراك شهري مخصص لمهند في مجال الأفلام الوثائقية الخاصة بالمجال المالي. كما من الممكن أن نشاهد تحول كبيرة إلى “تفصيل” الاشتراكات بحسب مايراه العميل/المستخدم مناسبًا بسعر مناسب.
3- اندماج/استحواذ في مجالات تخصصية من أجل السيطرة الذكية
(!Command and Conquer… Wisely)
ونقصد هنا بأن عالم الاندماجات ليس مقتصرًا على مجال التجارة التقليدية (شركة أ تتحد مع شركة ب ليعملان معًا أو يكونان كيان جديد) والاستحواذات (شركة أ تستحوذ على شركة ب من أجل الاستفادة منها أو… في بعض الأحيان قتلها منعًا للمنافسة) فهو متواجد وبشكل واضح في مجال التجارة الإلكترونية. ونقصد هنا بشكل أدق أن شركة أ تعمل كمنصة للبيع (marketplace) تقوم بالاستحواذ على شركة ب في مجال المدفوعات وعلى شركة ج في مجال الشحن وعلى شركة د في مجال الذكاء الاصطناعي وهكذا حتى تكتمل لديها المنظومة بشكل كامل أو أفضل.
ولعل أقرب مثال شاهد على ذلك طريقة شركة أمازون في الاستحواذات الأخيرة في مجال الخدمات اللوجستية (وبشكل أدق الاستحواذ على وسيط تخليص جمركي من أجل تسهيل عملية التخليص الجمركي للباعة عبر منصاتها عند الشحن الدولي).
4- الكثير من الخدمات المقدمة عبر الأفراد وبشكل أكبر
(Consumer to Consumer + Customer to Business)
ونقصد هنا بأن العديد من المنتجات سوف يتم شحنها من المنازل وعبر الأفراد وكذلك الخدمات غير المحسوسة (intangible services) سوف نشاهدها تقدم بشكل أكثر وأكبر عبر الأفراد. كما من الممكن أن نشاهد قفزة في عدد المعاملات المقدمة من الأفراد (C2C transactions) من خلال منصات العمل التشاركي خصوصًا المجال اللوجستي. ونقصد هنا بشكل أدق أنه من الممكن أن تشاهد كبرى الشركات اللوجستية (DHL/فيديكس/UPS) تمتلك أساطيل ضخمة للشحن والتوصيل لكنها مملوكة من قبل الأفراد ولا تمتلك الشركات أي جزء منها.
5- الشركات تقدم خدمات حكومية؟
(?The people become the government)
المراد في هذه النقطة هو أنه سوف تكثر الشركات الرقمية التخصصية التي تقدم خدمات شبه حكومية مثل عمليات توثيق الهويات من أجل إجراء تعاملات التجارة الإلكترونية الحساسة ومشاركة المعلومات الشخصية عبر الإنترنت. وأقرب مثال على ذلك منصة Civic والتي تتيح توثيق الهويات (identity verification) عبر الأصول الرقمية (utility coin) وتقنيات مثل البلوكتشين (block-chain).
5- قديمك نديمك لو جديدك أغناك!
(“Sometimes the old ways are the best”)
المراد في هذه النقطة أن الناس سوف “تتلذذ”، أو تضطر في بعض الأحيان؛ للرجوع إلى الطرق التقليدية في التعاملات التجارية عبر الإنترنت بعد فترة طويلة من الزمن كأن يتداولون النقد عند الدفع أو يفضلون استلام الشحنات من الفروع أو الذهاب إلى نقاط عرض (showrooming) من أجل تفقد المنتجات والخدمات قبل شرائها أو الاشتراك بها.
6- تعاونات دولية في مجال حماية المستهلك
(All for one… and one for all)
هنا تصبح مجالات التعاون بين الدول والاتفاقيات الدولية تتم من أجل حماية المستهلك كأن تقوم السعودية بالتعاون مع الصين من أجل حماية التعاملات عبر التجارة الإلكترونية لدى البلدين وتتوسع تغطية هذه الاتفاقية لتشمل دول أخرى بحسب الانتساب إلى “عضويتها”.
تخيل وكأنها صورة محسنّة لمثل مجالات تعاون محدودة مثل التعاون ما بين الدول في مجال مشاركة المعلومات المخابراتية (Five Eyes Countries, Fourteen Eyes Countries).
7- تكاثر مواقع/شركات تقديم البرامج كخدمة SaaS
(More services… Less products)
هنا تصبح مواقع وشركات تقديم البرامج كخدمة (Saas – Software as a Service) وتكون لها الكفة الأعلى من شركات تقديم المنتجات نفسها مثل أن تكون تقديم خدمة الدعم الفني عبر شبكات التواصل الاجتماعي كتويتر أهم من تقديم المنتج نفسه!
8- وجود تعاونات فريدة من نوعها!
(Valuable cooperation, rather than mere cooperation)
أعتقد أن التوجه القادم سوف يتمحور حول التعاون الفريد من نوعه من أجل تكوين منتج فريد من نوعه. على سبيل المثال: التعاون بين شركة نتفلكس وأمازون وسوني لتقديم خدمات السينما وألعاب الفيديو في منصة واحدة وكل شركة تشارك بحسب خدماتها التي تتميز بها أو/و التي تقدمها (نتفلكس الانتاج السينمائي – أمازون خدمات السحابة وأجهزة البث التفاعلي – سوني صناعة الألعاب).
9- التوجه نحو العملات الرقمية المركزية
(Centralized is better…” By X government”)
أعتقد أن التوجه القادم في مجال العملات الرقمية عبر البلوكتشين سوف يكون نحو المركزية بشكل أكبر ومن الممكن أن نشاهد تحالفات بين مؤسسات مالية أو حكومات أكثر في هذا الشأن.
بالرغم من وجود عملات رقمية غير مركزية يتم تداولها عبر الإنترنت منذ سنوات ولعل أشهرها بتكوين (Bitcoin) إلا أن الكثير من البنوك المركزية والمؤسسات المالية الحكومية ترفض التعامل بها وفي بعض الأحيان الاعتراف بها لأن التعاملات التي تتم عبرها تكون في بعض الأحيان مشبوهة والأهم هو عدم معرفة المتداولين بها في حالات عديدة (anonymous) ولذلك تفضل الجهات الرسمية التوجه نحو العملات الرقمية المركزية مثل ريبل (ripple).
10- توجه الشركات للمنتجات الافتراضية أكثر من المنتجات الفعلية
(Invest in the mind, not the material)
التوجه نحو الاستثمار بالعقول هو أحد أهم الاستثمارات في الفترة القادمة. ونشير هنا إلى أن المنتجات الافتراضية مثل برمجة التطبيقات والحلول الرقمية هي حيز الاهتمام خلال الفترة الحالية ومن الممكن أن تصبح أكثر وأيضًا أكبر أهميةَ من الاستثمار بتصنيع المنتجات الفعلية أو المحسوسة.
11- إيجاد حلول مواقع التجارة الإلكترونية المتكاملة
(One-Stop Shop)
التوجه نحو المواقع المتكاملة في عالم الشراء من الإنترنت هي أحد أهم التوجهات التي نشاهدها في المستقبل القريب مثل أن تجد الشركات لديها توجهات إيجاد مظلة موحدة وتشمل:
- موقع لبيع المنتجات عبر الإنترنت
- خدمات تقديم الوسائل الترفيهية والتفاعلية
- شحن المقاضي اليومية
- منتجات إلكترونية خاصة (جوالات – قارئ إلكتروني… إلخ)
تعود أسباب ذلك بأن بعض الشركات تقوم بالسيطرة على مجال معين عبر حالتين رئيسيتين وهما (1: التركيز في منتجات أو خدمات معينة، 2: التوسع لمنتجات أو خدمات أخرى).
كما من المرجح أن تتغير “نفسية” العميل وطريقة تفاعله ومساهمته في الفضاء الرقمي فنجده في المستقبل القريب لا يريد أن يتسوق من مجموعة من المواقع ويريد أن يقوم بتبضع “تجارب الشراء اليومية” من مكان واحد مثل شراء القهوة في الصباح وفي الظهيرة طلب الغداء وفي المساء شراء ملبوسات كلها من موقع واحد!
12- المراهنة على الإبداع بالتجربة وسهولتها أكثر من أي شيء آخر
(UI + UX > Product/Service)
ربما نجد خلال الأعوام المقبلة أن العميل يتحمس للتفاعل والشراء من المواقع الإلكترونية (conversion rate) إذا كانت ذو تصميم جميل وتقدم تجربة سهلة للشراء “كأن تتم في ثواني أو خطوات معدودة” أكثر من حماسه للمنتجات أو الخدمات المقدمة نفسها!
أعتقد أن أحد أهم الأسباب في ذلك بأننا سوف نواجه زخم كبير في عدد المتاجر والمواقع والتطبيقات التي تبدو متشابهة ولا يكاد أن نجد أي فارق بينها يميزها عن بعضها البعض.
13- التعامل مع روبوتات أكثر!
(More bots, less humans)
ربما يكون هناك تطور مذهل في مجال الذكاء الاصطناعي والذي سوف يسهل علينا إتمام العمليات بطريقة آلية أو عبر استخدام الأوامر الصوتية وخدمات الفيديو التفاعلي بشكل أكبر.
نعم بإمكانك طلب المشتريات عبر خدمة/أجهزة أليكسا (المساعد الصوتي من أمازون) في الوقت الحالي لكنها محدودة التعامل ولك أن تتخيل بأن تتحاور مع أليكسا في العديد من المواقع وتقوم أليكسا باختيار أفضل المنتجات لك وتعرضها لك على الشاشة أو عبر فيديو تفاعلي ومن ثم تقوم بإضافة مجموعة من المنتجات والخدمات وتحديد خيارات الشحن والدفع بدون أي تدخل يدوي منك!
14- خدمات المتسوق الإلكتروني الإفتراضي
(Your Virtual Personal Shopper)
بالرغم من وجود خدمات المتسوق الإلكتروني في بعض من المواقع أو الدول في وقتنا الحالي إلا أنه من المحتمل كما في المثال السابق مع تطور الذكاء الاصطناعي والبيانات ولغة الآلة (Machine Learning) تحديد أفضل الخيارات لك والتسوق عنك بدون أي تدخل منك.
تخيل معي هذا السيناريو: بعد استيقاضك من النوم في الصباح الباكر تقوم بتحديد قائمة (checklist) للمقاضي أو المنتجات التي ترغب بشرائها. تغادر إلى العمل وبعد 8 ساعات من العمل وعند رجوعك إلى المنزل تجد أن جميع المقاضي التي قمت بعمل قائمة (checklist) لها تم شرائها من قبل “متسوقك الإلكتروني الإفتراضي” وزيادة على ذلك فإن جميع المنتجات التي رغبت في شرائها (ملبوسات مثلاً) وصلت كما تريد أنت “بالضبط!”.
أشكرك على قراءة هذه المقالة والتي أتمنى أنها أنارت حيزًا في عقلك عما سوف يكون عليه عالم التجارة الإلكترونية في المستقبل!