كنت أرغب في كتابة هذا المقال منذ فترة. والحقيقة أنني كنت أرغب في كتابته منذ العام 2010، وهو العام الذي انتقلت فيه من سيليكون فالي إلى دبي. ومع ذلك فلازالت الأفكار التي رغبت بكتابتها قبل تسع سنوات، تصلح للكتابة في وقتنا الحالي. في هذا المقال، سأشارك القاريء تصوراتي الشخصية حول بعض القيم التي تساعد في تدعيم ريادة الأعمال وازدهارها في أي منظومة.
دائما ما أقول أن الاستثمار الجريء ينطلق من أسس رأسمالية. فهو نموذج رأسمالي من حيث كونه يتمحور حول شراء حصص ملكية في شركات، بهدف ارتفاع قيمتها بعد فترة – بافتراض أن الأمور على مايرام – وبالتالي يمكن للمستثمر الجريء بيع حصته بأعلى من القيمة التي اشتراها بها. لكن هذا السيناريو يحكي جزءاً من القصة. أما الجزء الآخر فهو ذو أهمية كبرى، ألا وهو الروح الريادية المتمثلة في الفريق الصانع لهذه الشركة. هذا الفريق هو في الحقيقة بطل القصة.
لذا فإنني أعتقد أن ريادة الأعمال أيضاً مبنية على مفهوم اشتراكي من حيث استنادها على مساعدة الرياديين لبعضهم البعض، ودعم بعضهم البعض، وجاهزيتهم لانتشال من لم يحالفهم الحظ وتشجعيهم على المحاولة مجدداً. شخصياً، لا أعتقد أن هناك مكاناً أفضل من سيلكيون فالي لمشاهدة هذه الروح. كنت محظوظاً أن قضيت جزءاً كبيراً من حياتي العملية في تلك البقعة من الارض. وأحد أكثر الأشياء التي برزت خلال مسيرتي التي دامت أكثر من عشرة سنوات هناك هو مساعدة الناس لبعضها البعض فقط لهدف المساعدة، بدون مقابل.
يتعلم الطلاب في مادة السلوك التنظيمي أن العطاء بدون انتظار رد الجميل هو نوع من الائتمان الاجتماعي. وطبقاً لأحد البحوث، فإن هذا السلوك – العطاء بدون مقابل – هو أقوى طرق بناء العلاقات الإنسانية. إن أحد أهم الأسباب وراء نجاح سيليكون فالي هو تغلغل حب العطاء في الرياديين وصناع الابتكار، قبل تفكيرهم في الحصول على فوائد شخصية جراء هذا العطاء.
أستطيع أن كتب صفحات وصفحات عن أمثلة لأشخاص يعطون بلا مقابل. رأيت متنافسين يتعانون، يعملون سوياً، ويتحدثون عن كيف يتم تضخيم الكعكة بدلاً من تقاسمها. بفضل أحد الأساتذة في كلية لندن للاعمال، فقد تعلمت مصطلح Coopetition وهو مصطلح يجمع بين كلمة ( Competition أي منافسة) وبين ( Cooperation أي تعاون ).
اعلم يقيناً أنني ماكنت لأصل إلى ماوصلت إليه، سواء كريادي أو مستثمر، لولا بعض الإيادي التي امتدت لمساعدتي طيلة مسيرتي.
أما في منطقة الشرق الأوسط، والتي تشهد حالياً تطوراً في منظومة ريادة الأعمال، فإنني أشعر بالإحباط من القصص التي أسمعها عن أناس تركض خلف مصالحها الشخصية البحته، بل أشعر أن هذا السلوك متغلغل في جيناتهم، حيث تجدهم يعملون كسماسرة في صفقة ينتظرون نصيبهم من الكعكة في نهاية المطاف. كي نطور منظومة ريادة الأعمال، نحن بحاجة إلى الانفكاك من هذه السلوكيات.
في المرة القادمة التي يأتي فيها ريادي إليك لطلب المساعدة، قدمها بدون أن تبدأ بالتفكير بمصلحتك الشخصية. ساعده وشارك بالحلول وقم بالعطاء بدون أن تفكر بالمقابل. ثق بي، سيجد العالم طريقة ما لمكافأتك. فعل الخير سيعود بالمنفعة، وستبني صداقات عميقة وطويلة المدى.
أما الأمر الذي لايقل أهمية عن العطاء، فهو الشفافية والنزاهة. تحاشى تعارض المصالح. إذا كنت في موضع سيثير نقاشاً حول شبهة تعارض مصالح، فإنت قد تكون بالفعل في موقع فيه تعارض للمصالح!
لاشيء يقتل الثقة أسرع من عدم إفصاحك عن وجود تعارض مصالح، فالعلاقات تبنى على الثقة بشكل أساسي. كان لي الشرف بالانضمام إلى Sand Hill Angels وهي شبكة مستثمرين أفراد عريقة في سيليكون فالي، وجدير بالذكر أن أحد إجراءات الانضمام إلى هذه الشبكة هو التوقيع على وثيقة من أربع صفحات تغطي جوانب الشفافية وتعارض المصالح. هذه الأمور مهمة جداً حين يكون الحديث عن بناء العلاقات بين الأشخاص.
أخيراً، أود القول أن هناك قصص عظيمة من منطقتنا. أبطال يعملون بلا كلل لتقديم يد المعونة للآخرين بلا مقابل، وأتطلع إلى اليوم الذي تكون فيه هذه القيم هي الأصل، وليست الاستثناء.