مقالات

الشركات التقنية حول العالم: تقييمات عالية وشكوك حول استمراريتها

ساهمت جائحة كورونا في تسريع وتيرة التحول الرقمي والاعتماد على التقنية في شتى مجالات الحياة بشكل غير مسبوق، وقد أثر ذلك إيجابيًا على الشركات الناشئة والاستثمار بها للاستفادة من الفرص المواتية من هذا التحول الذي كان على أشده خلال العام الماضي، حيث بلغت استثمارات رأس المال الجريء 621 مليار دولار أمريكي في 2021 كرقم قياسي وتاريخي؛ كونه يزيد عن ضعف قيمة الاستثمارات في 2020 وفقًا لـ CB Insights.

وساعدت وفرة رأس المال الجريء في رفع تقييم الشركات الناشئة بشكل ملفت خلال 2021، الأمر الذي ساهم بنمو 69% في عدد شركات اليونيكورن. وأدى كذلك إلى وصول شركات لتقييمات بعشرات المليارات من الدولارات في وقت قصير مثل Klarna. كما أن دخول مستثمرين غير تقليدين مثل صناديق التحوط (Hedge Funds) بقوة على خط الاستثمار في الشركات الناشئة عزز من التقييمات العالية لها، إذ أن القدرات والأدوات المالية التي توفرها للشركات الناشئة كان لها دورًا كبيرًا في حثها على رفع التقييمات.

لكن مع بداية 2022 والتغيرات المالية على مستوى العالم لاسيما مع رفع أسعار الفائدة بالعديد من المناطق، كان التساؤل البارز لدى المستثمرين يتمحور حول القدرة على الاستمرار على هذا المنوال والاستثمار في الشركات الناشئة بتقييمات عالية. فهل فعلًا سيستمر ضخ الأموال مع تقييمات عالية أم أن العام الماضي كان مرحلة وانتهت ويجب إعادة ترتيب الأمر؟

وفقًا للتقارير الحالية، بدأت شركات الاستثمار الجريء إعادة التفكير في تقييماتها للشركات وبعضها أعاد التفاوض حول هذه التقييمات قبل الاستثمار أو الانسحاب بعيدًا عن الصفقات ذات التقييمات العالية في حال لم يتم خفضها. وهذا الأمر أكدته أوفيليا بروان، مؤسسة Blossom Capital، لشبكة CNBC، بقولها: “لقد بدأ الأمر بالتأثير شيئًا فشيئًا على الأسواق الخاصة ومراحل الاستثمار اللاحقة. بدأ بالفعل التفاوض حول مذكرة الشروط (Term sheets)، وبعض الأطراف انسحبت منها”.

كذلك الحال مع جاريد كارميل، الشريك الإداري في Manhattan Venture Partners، الذي يقول إنه لاحظ تراجع قيمة حصص الشركات الخاصة 10% في الشهر الأخير فقط، الأمر الذي ينعكس على تقييم الشركات في الفترة المقبلة. وكيث رابويس، الشريك في Founders Fund وأحد أوائل المستثمرين في DoorDash و Airbnb، الذي قال في تصريحات لصحيفة ووال ستريت جورنال بأنه في حال استمر التضخم بالارتفاع فسيكون هناك تغيرات كبيرة تطال تقييمات الشركات.

تقييمات أقل في الجولات اللاحقة

شهدت العديد من الشركات الناشئة الحصول على تقييمات كبيرة مع إغلاق جولات استثمارية ضخمة مثل checkout.com، التي استثمرت 412 مليون ريال في تمارا السعودية العام الماضي، حيث وصل تقييم الشركة التي يقع مقرها في بريطانيا إلى 40 مليار دولار أمريكي مع إغلاقها جولة استثمارية بقيمة 1 مليار دولار أمريكي. وكان الحال مشابهًا مع العديد من الشركات الأخرى مثل Bolt الاستونية بعد جمعها 711 مليون دولار أمريكي وارتفاع تقييمها إلى 8.4 مليار دولار أمريكي، وكذلك Stripe التي وصل تقييمها 95 مليار دولار أمريكي و Klarna مع وصولها إلى 45.6 مليار دولار أمريكي وغيرها.

لكن هذا الأمر من المحتمل أن يصاحبه آثار جانبية لها تأثير سلبي على تلك الشركات وفقًا للعديد من صناديق الاستثمار الجريء، حيث يرون أن هذه التقييمات من الممكن أن تنخفض في الجولات اللاحقة للشركات؛ ما يعني أن الشركات التي حصلت على تقييمات عالية خلال جولة (Series B) على سبيل المثال، ستجد نفسها أم تقييمات أقل خلال جولات (Series D) بالرغم أنه من المنطقي ارتفاع تقييم الشركات مع كل جولة استثمارية متقدمة في الوضع الطبيعي.

سيساهم تقييم الشركات بقيمة أقل من السابق في تعرضها لضربة قوية لخططها المبنية على التقييمات السابقة، لكنها بعد فترة من الزمن في حال استمرار ضغوطات صناديق رأس المال الجريء للحصول على تقييمات أقل لدخول الجولات الاستثمارية، ستجد الشركات الناشئة نفسها ترضخ في بعض الأحيان لتقييمات أقل من أجل الحصول على استثمارات لدعم عملياتها التوسعية أو لمساعدتها على طرح أسمها في أسواق المال، أو ستعاني من أجل إغلاق جولاتها الاستثمارية في حال استمرت تقييماتها السابقة.

انتظار على أمل الاكتتاب العام

يُعد تراجع أسواق المال على مستوى العالم بسبب الصعوبات المالية وزيادة أسعار الفائدة، سببًا في انخفاض قيمة العديد من الشركات المطروحة في الأسواق المالية العالمية، الأمر الذي سيتسبب بتراجع تقييمات الشركات الناشئة في المراحل المتقدمة كونها غالبًا ما تسعى لطرح أسهمها في هذه الأسواق، وهو الأمر الذي أثر بشكل مباشر على توجه المستثمرين لإعادة التفكير بتقييمات الشركات الناشئة.

وبسبب الاختلافات المتوقعة بين تقييمات الشركات الناشئة لنفسها بعد 2021 وتقييمات المستثمرين المنخفضة واحتمالية عدم إتمام الكثير من الجولات الاستثمارية مع تقييمات أعلى، فمن المرجح عزوف الكثير من الشركات الناشئة عن رغبتها طرح أسهمها في أسواق المال بسبب الصعوبات المالية وعدم قدرتها على جمع استثمارات كافية تساعدها في عملية الطرح.

وهذا يؤكده حسين كانجي، الشريك في Hoxton Ventures، لكنه في نفس الوقت يشير إلى أن شركات الاستحواذ لأغراض خاصة (SPAC) ربما تكون الحل أمام الشركات الناشئة للطرح العام، حيث يرى أنها تمتلك الأموال الكافية كما أنها مدرجة مسبقًا في أسواق المال، لكن سيتوجب على أي شركة ناشئة تنوى التوجه لهذا الخيار الاندماج مع الشركة المطروحة مسبقًا (SPAC)؛ كما فعلت شركة سويفل المصرية خلال العام الماضي.

يمكن أن تنتهي رغبة أي شركة ناشئة بالطرح العام بشكل غير متوقع في حال أغلقت جولات استثمارية في مراحل متقدمة بتقييمات عالية، لكن يبقى الأمر ممكنًا في حال قررت خفض تقييماتها في الجولات اللاحقة وهو أمر صعب جدًا، أو التوجه نحو خيار الدمج مع شركات الاستحواذ الخاص، أو قيام شركة أكبر بالاستحواذ عليها للمساعدة في طرح أسهمها في أسواق المال؛ وبجميع الأحوال تبقى خيارات صعبة.

الشركات الناشئة في المراحل المبكرة

رغم التوقعات لتراجع التقييمات الخاصة بالشركات في الفترة المقبلة، إلا أن هذه التوقعات تتعلق بالشركات ذات المراحل المتقدمة والتقييمات العالية، ما يعني أن تأثير هذه التغيرات على الشركات في المراحل المبكرة ربما يكون ضعيفًا كون هذه الشركات بالأساس لم تحصل على جولات استثمارية أو ربما سبق وأغلقت جولات استثمارية مبكرة باستثمارات قليلة وتقييمات منخفضة.

سيساعد هذا الأمر الشركات الناشئة في المراحل المبكرة بالحصول على تقييمات أعلى في الجولات الخاصة بها لاحقًا مقارنة مع الجولات الحالية، على عكس الشركات الناشئة في المراحل المتقدمة التي ستعاني للحصول على تقييمات أعلى من تقييماتها الحالية في حال رغبتها بالحصول على استثمارات جديدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى