مقالات

الاستثمارات الجريئة: ماهو موقعها من محفظتك الاستثمارية؟

كثر الحديث مؤخراً عن الصناديق الاستثمارية الجريئة في السعودية وبحكم أن كثير من المستثمرين مصابون بمتلازمة الخوف من فوات الفرص أو كما تسمى باللغة الانجليزية FOMO أو Fear of Missing Out، تردني الكثير من الأسئلة من أشخاص يرغبون بالاستثمار في الصناديق الجريئة ولكن بعضهم ليس لديه الخبرة الاستثمارية أو أنه ليس من ذوي الدخل العالي. لذا من المهم توضيح أن هذا النوع من الاستثمارات ليس لكل فئة. ولكن عالم الاستثمار كبير جداً والاستثمار من خلال الصناديق الجريئة ما هو إلا جزء بسيط من هذا العالم.

في هذه المقالة سأحاول توضيح عدة مفاهيم عن مختلف الأصول الاستثمارية بشكل عام ومن ثم التركيز على بعض النقاط الخاصة بصناديق الاستثمار الجريء وما يحدث في عالمها اليوم.

 تنقسم الأصول إلى ثلاث فئات رئيسية (Asset Classes):

  1. نقد وما يشبه النقد.
  2. استثمارات تقليدية وتتمثل إما بالملكية (شراء أسهم في الشركات المدرجة في سوق الأسهم سواء محلية أو عالمية) أو بالإقراض (شراء سندات من جهات حكومية أو شركات مدرجة وتم تصنيف سنداتها).
  3. استثمارات بديلة وتتمثل بالاستثمار في العقار أو السلع (commodities)، والطاقة والموارد الطبيعية، أو صناديق التحوط (hedge funds) أو الملكية الخاصة (Private Equity) وتندرج تحتها صناديق الاستثمار الجريء Venture Capital، وهي صناديق تستثمر بشكل مباشر بشركات التقنية الناشئة.

يقوم المستثمر ببناء محفظته الاستثمارية ووضع استراتيجية الاستثمار بالنظر إلى الاقتصاد الكلي والأوضاع العالمية والتوجهات الاقتصادية. ويخصص نسب الاستثمار على مختلف الأصول الاستثمارية المذكورة أعلاه وهذه العملية تسمى (asset allocation). ويتم تحديد الأصول المستثمر بها والنسب المرتبطة بكل فئة حسب أهداف الاستثمار والعوائد المتوقعة والمخاطر التي يستطيع تحملها والسيولة التي يحتاجها والمدة الزمنية المخصصة للاستثمار. وعادة ما يقوم المستثمرون بتخصيص نسبة للاستثمارات البديلة لرغبتهم بالتنويع ولتحقيق عوائد أعلى من أسواق الاستثمارات التقليدية من أسهم وسندات. فمثلاً قد يكون الهدف الرئيسي من الاستثمار في العقار هو تنويع مصادر الدخل والحصول على عائد سنوي بينما يكون الهدف من الاستثمار في الملكية الخاصة (شاملة الاستثمار الجريء) هو البحث عن عوائد أعلى من السوق العام، أما صناديق التحوط فتتميز بمرونة أعلى في السيولة مقارنة بالملكية الخاصة. ويجب الأخذ بالاعتبار صعوبة تسييل الاستثمارات البديلة وطرق تقييمها المعقدة. أضف الى ذلك أن المستثمر في الاستثمارات البديلة يتحمل المصاريف والرسوم الإدارية مع عدم قدرته على التحكم واتخاذ قرارات الاستثمار، حيث أن هذه القرارات من اختصاص مدراء الصندوق. ولهذا يسمى المستثمر في صناديق الاستثمار الجريء بالمستثمر المحدود (Limited Partner) نظراً لمحدودية دوره.

ومن المتعارف عليه أن النسبة المخصصة للاستثمارات التقليدية أعلى من الاستثمارات البديلة. فعلى سبيل المثال قد يرى مدراء الأصول أن التوزيع الأمثل للمحفظة الاستثمارية يكون حسب النسب التالية: 40% لسوق الأسهم و40% لسوق السندات و20% للاستثمارات البديلة من بينها 5% للاستثمار في الصناديق الجريئة. إلا أن هذه النسب بدأت تتغير في السنوات الأخيرة حيث ارتفعت النسبة المخصصة للاستثمار في الصناديق الجريئة لبعض المكاتب العائلية  لتصل 15% من إجمالي الأصول المستثمرة في عام 2019 وذلك حسب ورقة تم نشرها مؤخراُ من قبل Cambridge Associates LLC. وأشارت الورقة إلى أن أحد أسباب ارتفاع نسبة التخصيص للصناديق الجريئة هو استثمارها في التقنية وتأثيرها في تطوير القطاعات وخلق أسواق جديدة مما يمنح فرص أعلى لزيادة العوائد.

وفي ظل أزمة فيروس كورونا المستجد، اهتزت الأسواق المالية في العالم مما يؤثر على الاستثمارات في الملكية الخاصة، وزادت صعوبة حصول رواد الأعمال على تمويل من الصناديق الجريئة وذلك لأسباب متعددة منها أن الصناديق قد تكون مشغولة بدعم وتمويل الشركات التي استثمرت بها سابقاً، أو أنها تقوم بالمفاوضة للحصول على تقييمات أفضل بحكم أن الكفة الآن تميل لصالح المستثمر، أو بسبب أن الصناديق تقوم بمراجعة استراتيجية استثمارها، فمثلاً قد تستبعد قطاعات معينة أو تضع مؤشرات محددة من رائد الأعمال قبل الاستثمار. كما قد يواجه مدراء الصناديق الجريئة، خصوصاً الجدد منهم والذين لا يملكون باعاً استثمارياُ في هذا النوع من الاستثمارات، صعوبة في استقطاب أصحاب رؤوس الأموال للاستثمار في صناديقهم.

كما يقوم المستثمرون بمراجعة سياسة توزيع الاستثمارات على الأصول المختلفة (reallocation) حيث يتم اعادة توزيع المبالغ المستثمرة لإعادة التوازن بين الأصول في المحفظة الاستثمارية وهذا بسبب ما يسمى بالـ Denominator Effect. ولشرح تأثيره لنفترض أن المبلغ المستثمر هو 100 مليون ريال تم توزيعها على الأصول الاستثمارية حسب النسب التالية 40% في سوق الأسهم أو ما يعادل 40 مليون ريال، ومثلها في السندات، و20% أو ما يعادل 20 مليون ريال في سوق الملكية الخاصة، ثم انخفضت أسعار الأسهم بنسبة 30% وبالتالي انخفضت قيمة الأسهم من 40 مليون ريال إلى 28 مليون ريال، فأصبحت القيمة الاجمالي للمحفظة من 88 مليون ريال. وبافتراض ثبات قيمة استثمارات السندات والملكية الخاصة فان توزيع النسب الجديدة للمحفظة الاستثمارية هو 32% لسوق الأسهم، و 45% لسوق السندات، و 22% لسوق الملكية الخاصة. هنا يقوم المستثمر بعمل مراجعة للنسب بين الأصول في المحفظة الاستثمارية ليعيد لها التوازن حسب النسب المتفق عليها سابقاً وهذا يعني أنه سيخفض قيمة الاستثمار في السندات لتعود إلى 40% من قيمة المحفظة ويخفض قيمة الاستثمارات في الملكية الخاصة إلى 17.6 مليون ريال لتعود نسبة الاستثمار في الملكية الخاصة إلى 20%. الجدير ذكره، أنه بعد الأزمة المالية في عام 2008، وضع بعض المستثمرين سياسات استثمارية أكثر مرونة بحيث يتم التغاضي عن التغير في النسب وأخذ بعض الجوانب بعين الاعتبار كعامل الوقت، فربما يكون الوقت كفيلاً برفع قيمة سوق الأسهم ومن ثم رفع القيمة الاجمالية للمحفظة، مما ينفي الحاجة لإعادة توزيع الاستثمارات حسب النسب المحددة سابقاً فيقل الضغط على سوق الملكية الخاصة. ختاماً، حسب الاحصائيات المعلنة في تقرير Pitchbook فإن عدد صفقات الاستثمار الجريء في الربع الأول من سنة 2020 في أمريكا لم تتأثر كثيراً بالأوضاع الراهنة ولكن من المتوقع أن تشهد تباطوء خلال الربعين القادمين من هذا العام.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى