مقالات

لماذا تسبق البرازيل خدمات الشراء والدفع لاحقًا حول العالم بسنوات؟

ظهر حل الشراء والدفع لاحقًا من شركات التقنية المالية خلال السنوات القليلة الماضية ليشكل نقلة كبيرة في طريقة شراء الناس لمستلزماتهم دون ضغط مالي كبير من خلال تقسيط المبلغ على عدة مرات، وعلى عكس المعاملات البنكية التقليدية فالأمر ينتهي بدون فوائد إضافية تثقل كاهل الغالبية.

واستطاعت الشركات التي توفر هذا الحل من النمو سريعًا في معظم مناطق العالم؛ بينها Zip وAfterpay وKlarna، وتابي وتمارا في منطقتنا العربية. والسبب الرئيس وراء ذلك الاقبال الكبير من الجمهور هي فرصهم بشراء مستلزماتهم بنفس السعر نقدًا أو بالتقسيط دون دفع أي مبالغ إضافية. ويؤكد بحث أجري في المملكة المتحدة العام الماضي أن نحو 10 ملايين بريطاني عزفوا عن الشراء من المتاجر التي لا توفر خدمات الدفع والشراء لاحقًا لصالح تلك التي توفرها، وهو مثال ربما يتشابه في معظم مناطق العالم.

لذا رأينا على سبيل المثال عشرات العلامات التجارية والمتاجر الإلكترونية تتوجه نحو تابي وتمارا لتوفير خدمات الشراء والدفع لاحقًا في المنطقة خاصة في السعودية والإمارات والكويت؛ حيث تتيح للعملاء شراء مستلزماتهم بدون مشاكل وتقسيط المبلغ على 4 دفعات بدون فوائد.

وساهم كذلك بنمو الشركتين بشكل ملحوظ، فقد أشارت تمارا لتخطي عدد مستخدميها 3 ملايين عند إعلان جولتها الاستثمارية الأخيرة بقيمة 375 مليون ريال سعودي (100 مليون دولار أمريكي) . فيما تمكنت تابي كذلك من جذب أنظار المستثمرين من كافة أنحاء العالم بسبب النمو في خدماتها وتوسعها لأسواق عدة، كان آخرها حصولها على تمويل قدره 150 مليون دولار أمريكي من جهات استثمارية أمريكية.

ورغم نمو ظهور هذا الحل مؤخرًا ونموه سريعًا في مناطق مختلفة بينها المنطقة العربية، إلا أنه هذا الأمر لم يكن متشابهًا مع مناطق أخرى وخاصة البرازيل.

لكن لماذا تسبق البرازيل الجميع في هذا الحل الحديث نسبيًا؟

عند القدوم للبرازيل والذهاب لمعظم المتاجر لشراء مستلزمات المنزل من بقالة وأدوات كهربائية وغيرها، فإنك بمجرد الوقوف أمام “الكاشير” ستسمع سؤالًا فحواه “هل ترغب بالدفع بالكامل أو تقسيط المبلغ؟” وهذا الأمر سواء اشتريت بما يعادل 10 دولارات أمريكية أو حتى أي مبلغ أكبر. والسبب ليس لأنها توفر خدمات الشراء والدفع لاحقًا الحالية، بل لأن النظام المالي المتبنى من المتاجر منذ عشرات السنوات يتيح للناس تقسيط مشترياتهم دون فوائد – أي حتى قبل ظهور التقنية المالية.

وبينما توفر خدمات الشراء والدفع لاحقًا التقسيط حتى 4 دفعات في معظم الأحوال مع خصم 25% من القيمة كدفعة أولى عند عملية الشراء، فإن المتاجر في البرازيل توفر التقسيط على دفاع مختلفة تصل في معظمها بين دفعة و10 دفعات ودون الحاجة لدفعة أولى ودون أي فوائد كذلك، وفي بعض الأحيان يمكن أن تصل الدفاعات إلى 48 وفقًا لسعر المنتج والتسهيلات التي يوفرها المتجر.

وهذا الأمر لا ينطبق على المتاجر العادية فقط، بل يتوفر في المتاجر الإلكترونية العاملة في البرازيل أو المتاجر العالمية؛ فعلى سبيل المثال عند شراء منتج ما من أمازون البرازيل سيظهر خيار الدفع على عدة أقساط للمستخدمين، وهو الحال مع موقع مثل SheIN؛ فحتى فستان بقيمة لا تتعدى 20 دولارًا أمريكيًا يمكن تقسيطه على دفعات وإتمام المعاملة من خلال الدفع بالبطاقات الائتمانية أو بطاقات الدفع المسبق أو التحويلات البنكية مع حلول مثل PIX.

ولنعود لسؤالنا الأهم، لماذا تسبق البرازيل الجميع في هذا المجال؟ الإجابة باختصار أن البرازيل تبنت منذ عشرات السنوات حلول التقسيط دون فوائد في عمليات الشراء حتى لأقل الأشياء طالما لا يوجد أي مشاكل ائتمانية أو ضريبية على صاحب المعاملة، وهذا الأمر تطور مع ظهور التقنيات المالية فأصبحت تتم المعاملات خلال لحظات فقط أثناء الوقوف أمام “الكاشير” للدفع.

وقد ساعد هذا النظام بتقديم الخدمة طيلة السنوات دون أي مشاكل وتعقيدات، على عكس ما يحدث الآن مع خدمات الشراء والدفع لاحقًا التي تعاني من عزوف المستثمرين تكبدها خسائر تخطت 6.5 مليار دولار أمريكي الفترة الأخيرة وتمر بمرحلة حرجة.

كيف تعاملت البرازيل مع خدمات الشراء والدفع لاحقًا المستحدثة؟

أكثر ما يميز النظام المالي في البرازيل هو تبني الحلول والتقنيات أولًا بأول لتحسين النظام المالي وجعله أكثر سلاسة للناس مثلما فعلت مع تبني المصرفية المفتوحة، لذلك رغم توفيرها حل التقسيط على دفعات وتسهيلات أكثر مما نشاهده مع خدمات الشراء والدفع لاحقًا حول العالم، إلا أن الكثير من البنوك الرقمية وهي بالعشرات، قررت تبني الحل بتسهيلات أكثر.

فبدلًا من حاجة الناس لحسابات بنكية تقليدية وامتلاكهم بطاقات ائتمانية في أغلب الأحيان ووجود حد للتقسيط وفقًا للحالة المالية، اعتمدت البنوك الرقمية وحلول التقنية المالية تسهيلات جديدة من خلال السماح لفئة أكبر لتقسيط أموالها بغض النظر عن قيمة الدخل وغيرها من الأمور؛ فهي تركز على الأشخاص الذين لا يملكون حسابات بنكية والفئات ذات الدخل المنخفض ويصعب عليها تقسيط الكثير من الدفعات بالنظام المعتمد.

ما هي الفائدة من ذلك؟

رغم أن نظام التقسيط المتبع منذ سنوات أكثر ضمانًا وسهولة، إلا أن توفير خدمات الشراء والدفع لاحقًا في البرازيل يعتبر إضافة للفئات ذات الدخل المنخفض لتقسيط مستلزمات أكثر مما تستطيع فعله بالعادة – رغم المخاطر القائمة لهذا التوجه.

كما أن خدمات الشراء والدفع لاحقًا أكثر فائدة للتجار والمتاجر الإلكترونية، فبعد أن كانت توفر خدمات التقسيط بنفسها أصبحت خدمات الشراء والدفع لاحقًا توفرها لها؛ بهذه الحالة تقوم الخدمات بدفع المبلغ للتجار ومن ثم تحصيله من العملاء. ما يعني وجود سيولة أكبر لدى المتاجر عند الشراء مقارنة مع السابق.

لكن الأهم من ذلك كله، هو أن الناس في البرازيل أصبحت تمتلك الخيارات المناسبة لإدارتها أمورها المالية سواء عن طريق المؤسسات المالية التقليدية أو حتى البنوك الرقمية، ما يقلل من أعباء الحياة عليهم – دون دفع أي مقابل للتخلص من هذه الأعباء. وهذا ما يطمح له الجميع بمختلف أنحاء العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى