بداية وللإحاطة هذا المقال ليس بصدد مناقشة بيئة ومنظومة رأس المال الجريء في منطقتنا أو حوار عن واقع صعوبة الحصول على أموال في المراحل الأولية للشركات التقنية الناشئة في منطقتنا تحديدًا نظرًا للأوضاع المالية والاقتصادية القائمة.
رأس المال الجريء من الداخل
نبدأ بحقيقة أنه بحال كنت مؤسسًا جديدًا فمن المرجح ستسعى بالمستقبل المنظور للقيام بجولة استثمارية لدعم نمو شركتك التقنية الناشئة، وذلك في حالة اختيارك استراتيجية النمو السريع مقابل بقاءك على استراتيجية النمو البطيء بالإيرادات (نمو طبيعي)، خيار النمو السريع سيقودك حتمًا إلى التعامل مع منظومة رأس المال الجريء (المستثمر الجريء) كأحد الخيارات الشائعة والمتاحة أمامك لاستقطاب استثمارهم في شركتك (جهلك برأس المال الجريء أحد أسباب فشل الجولة الاستثمارية معهم وهدر الوقت الثمين في الحصول على استثمار جريء).
من المهم للمؤسس الجديد أن يُلم بقوانين ومدخلات ومخرجات اللعبة ويعرف كيفية التعامل والتفاعل مع رأس المال الجريء، وكيف يعمل مستثمروه وبماذا يفكرون وعن ماذا يبحثون وما هي معاييرهم وشروطهم للاستثمار الجريء في شركتك. والهدف من هذا السرد المبسط توفير الوقت والتعريف والتثقيف بمنظومة رأس المال الجريء وتسهيل الاستدلال للمؤسسين الجدد لحثهم على المزيد من الدراسة والبحث والسؤال وطلب المشورة قبل الاحتكاك والتواصل مع منظومة رأس المال الجريء سواءً كانوا خيارك أم لا.
يلزم التذكير بأن هذا جزءًا هامًا من رحلة التعلم المستمرة في مسيرتك الريادية المليئة بالمفاجئات بعضها سار والبعض الآخر خلاف لذلك.
رأس المال الجريء بشكل عام ومبسط يتمثل في كيان قانوني يعبر عن شركة استثمارية تقوم بجمع الأموال من المستثمرين المؤهلين (أفراد أو شركات) في صندوق استثماري مغلق (محدد بمدة زمنية طويلة) لاستثمارها في شركات تقنية ناشئة عالية المخاطر حسب الاستراتيجية الاستثمارية لهذا الكيان (على سبيل المثال لا الحصر، نطاق جغرافي محدد أو غير محدد أو استهداف قطاعات معينة أو قطاع بعينه أو مراحل محددة من عمر الشركة الناشئة أو خليط منهم بجانب المبلغ المستثمر والعوائد المستهدفة).
يدير هذا الصندوق مهنيين محترفين ومتمرسين يسمّون بشركاء العموم (شريك عام أو متضامن) بالنيابة عن المستثمرين المعروفين بالشركاء المحدودين (شريك محدود أو موصي لا يتدخلون في إدارة الصندوق) وذلك مقابل رسوم إدارية ونسبة من العوائد عند التخارج من الاستثمارات (اندماج أو استحواذ أو طرح عام). ويدعم الشركاء المديرين لصندوق أو شركة رأس المال الجريء فريق من المستشارين والقانونيين والمحللين المالين وخبراء في التقنية وقطاعاتها ومؤسسين سابقين.
يقوم رأس المال الجريء بإغلاق حملة تهدف لجمع رأس مال صندوق الاستثمار المصرح به للاستثمار في شركات التقنية الناشئة سريعة النمو والجديدة؛ منها التي لديها توظيف تقني مبتكر ومبدع مزعزع للسوق ومتميز وقابل للانتشار السريع والتوسع الجغرافي، وفي نفس الوقت هذه الشركات الناشئة بحاجة لرأس مال لترجمة طموحها وتطورها وتطبيق خططها الطموحة والرصينة.
باكتمال الاستثمار في الصندوق من المستثمرين المؤهلين يبدأ المديرين في إدارة الصندوق وأصوله المكتسبة بعد إغلاق الصندوق أمام استثمارات جديدة بهدف حصول رأس المال الجريء على عائد استثماري عند التخارج (تصفية الصندوق) بحيث لا يقل مكرر الأرباح عادة عن عشرة أو أكثر في غضون 5 إلى 10 سنوات وبمعدل 8 سنوات. رأس المال الجريء في العادة يقضي النصف الأول أو الثلث الأول من عمر الصندوق في البحث عن الصفقات وإغلاقها أما ما تبقى من عمر الصندوق فيكون للاستثمار التابع والإعداد للتخارج وإضافة قيمة ملموسة لتحقيق العوائد المستهدفة للشركاء والمستثمرين في الصندوق. وبعد تصفية أي صندوق يبدأ الشركاء المديرين بالأعداد لفتح صندوق جديد.
بجانب المهمة الرئيسية أعلاه يقوم الشركاء المتضامنين (مدراء الصندوق) بالتالي:
- – قيادة فريق من مستثمري رأس المال الجريء المنافسين لإغلاق جولة استثمارية مجمعة في شركة ناشئة ناجحة لخفض المخاطر.
- – البحث المستمر عن رواد الأعمال المميزين والناجحين وبناء علاقات متينة معهم.
- – البحث عن شركات تقنية ناشئة ودراستها وتقييمها والاستثمار بالمميز منها.
- – العمل على إضافة قيمة للمؤسسين والشركات المستثمر فيها لخلق قصص نجاح للجميع.
- – التعلم المستمر والتطوير ومشاركة المعرفة والخبرة في فضاء منظومة الشركات التقنية الناشئة.
- – لعب دور فعال وبناء شبكة اتصالات وتواصل في منظومة الشركات الناشئة وشركات رأس المال الجريء الأخرى.
- – التمهيد والتخطيط لعملية التخارج من شركات الصندوق في الوقت و السعر المناسبين.
- – إدارة شؤون المستثمرين المحدودين واحاطتهم بالمستجدات والتطورات عن الصناديق المستثمر فيها.
- – القيام بحملة استثماريه لجمع الأموال للصناديق الجديدة.
- – القيام بالاستثمار الثاني أو الثالث (جولة تابعة) في إحدى شركات الصندوق المستثمر فيها سابقًا.
أما عن كيفية الاستثمار والبحث عن الصفقات في الشركات التقنية الناشئة، فيرتكز بشكل أساسي على استراتيجيتها الاستثمارية بمثابتها شركة رأس المال الجريء، ومدراءها، وعمق شبكة اتصالاتها، وقدرتها على اغتنام الفرص وترتيب الصفقات (منفردين أو بالتضامن مع شركات رأس المال الجريء الأخرى)، ويحكمها بشكل كبير حجم السيولة لدي المستثمرين والأوضاع المالية والاقتصادية في النطاق الجغرافي المستهدف، ويتم كل هذا من خلال التوصيات والتزكية من شبكة العلاقات والاتصالات في منظومة ريادة الأعمال شاملًا متابعة رواد الأعمال وشركات رأس المال الجريء الأخرى بجانب الرصد المستمر لأخبارهم وأنشطتهم من خلال التعامل والتفاعل مع الإعلام والمسرعات ومستجدات صناديق رأس المال الجريء المنافسة الأخرى.
كذلك تعتبر المؤتمرات والفعاليات والتقارير الموثوقة ولجان التحكيم وأيام العروض الاستثمارية مصادر هامة للمعلومات والمستجدات عن المنظومة في البحث عن الصفقات هذا كله بجانب اتصال المؤسسين الجدد بشركاء صناديق رأس المال الجريء للتعريف بمشروعاتهم، وهو ما يجب على المؤسسين الجدد أن يحرصوا بشدة عليه وبناء العلاقات وتطويرها في مراحل مبكرة جدًا وحتى قبل التفكير بالقيام بجولة استثمارية.
ومن الضروري أن يدرك المؤسس الجديد أن الشركاء المديرين لصناديق رأس المال الجريء يعملون بجدية لفهم وتقييم ودراسة متمعّنة لأي صفقة استثمارية في الشركات التقنية الناشئة وتحديدًا فكرة الشركة التقنية الناشئة ذاتها ورؤية المؤسس وفريق العمل ومدى زعزعة السوق والتوسع الجغرافي بهدف الوصول إلى قرار حاسم عن إمكانية النجاح من عدمه، والذي يتم بناءً عليه قرار الاستثمار بالتقييم المعقول وبتراضي الطرفين أو عدمه. وعملية القرار هذه تتطلب من رأس المال الجريء وجود رؤية واستراتيجية مع التحليل والإلمام بالتقنيات الجديدة والمستحدثة واستخداماتها المستقبلية مع قوة الحدس المعززة بالخبرات المتنوعة وشبكة الاتصالات القوية.
بجانب الأموال المستثمرة من صناديق أو شركات رأس المال الجريء، تقوم هذه الشركات الاستثمارية وبالذات الرصينة منها بتقديم الدعم المباشر وتخصيص موارد بعينها لتسريع نمو شركة التقنية الناشئة بحكم الخبرات المتعددة والمتراكمة من خلال ممارسة عدة أدوار هامة لصالح الشركة التقنية الناشئة بجانب عضوية مجلس الإدارة في الشركة الناشئة كمستشار مالي وإداري وتسويقي وتشغيلي، بجانب تحدي ومناقشة أفكار وخطط المؤسسين وكذلك توسيع العلاقات الاستراتيجية والتحالفات من خلال شبكة اتصالاتهم الواسعة بجانب التوجيه والإرشاد بدون التدخل في قرارات المؤسسين والدعم المعنوي والنفسي للمؤسسين لتحفيز الاستمرار في النمو السريع والتقدم المستمر. كذلك المشاركة في الإعداد لجولة استثمارية (متابعة) مستقبلية أو صفقة دمج أو استحواذ مغرية للطرفين أو الطرح العام.
أضيف لذلك التغطية الإعلامية والعلاقات العامة لصالح الشركة الناشئة، بجانب متابعة رأس المال الجريء لأعمال وتطور الشركة الناشئة بمنظور من الخارج يعتبر عامل مهم جدًا وفعال في رحلة الشركة الناشئة كطرف خارجي يرى الصورة الكبرى من خلال تواجدهم في المنظومة لتفادي الأخطاء أو عدم تكرارها في إدارة محفظتهم الاستثمارية من شركات التقنية الناشئة.
وجود رأس المال الجريء شريكًا في شركتك التقنية الناشئة من العوامل الإيجابية لإغلاق الجولة الاستثمارية بنجاح، والتي تعزز الثقة بمشروعك والاهتمام بشركتك من المستثمرين الأخرين بشكل عام، ويدعم نجاح جولتك الاستثمارية القادمة مع شركات رأس المال الجريء الأخرى ويسلط الأضواء عليها وبالذات الإعلام المتابع لمنظومة شركات التقنية الناشئة.
طبيعة عمل رأس المال الجريء
نموذج عمل رأس المال الجريء يتمحور حول الاستثمار من خلال صناديقه بحصة أقلية في شركات تقنية ناشئة عديدة عالية المخاطر وبالذات في مراحلها الأولية مقابل الحصول على عوائد مجزية وكبيرة جدًا مستقبلًا. ومن الطبيعي جدًا أن يخسر أو يتعادل (لا ربح او خسارة) في معظم الصفقات، لكن الهدف تحقيق مكررات ربح عالية جدًا وعائد مجزي على الاستثمار في عدد قليل جدًا من الاستثمارات في الشركات الناشئة كما هو المستهدف دائمًا وبالتالي تغطي الإخفاق في أغلب الصفقات.
ولتقريب الفكرة أكثر، قد يستثمر رأس المال الجريء في عشر شركات ناشئة وبعد التخارج الكامل تتحقق الأرباح العالية جدًا من شركتين فقط والثمان الباقية هي خليط بين الخسارة الكاملة إلى نقطة التعادل (لا ربح ولا خسارة)، بهذا تغطي هذه الأرباح العالية جدًا من عدد صغير الخسارة في البقية وتفيض لصالح مدراء الصندوق ومستثمريه (80% من العوائد من 20% من شركات الصندوق). وهذا ما يحرص عليه مدراء صندوق رأس المال الجريء ولكنه كذلك من الوارد جدًا أن يخسر في جميع أصول المحفظة لكونهم يستثمرون في شركات ناشئة عالية المخاطر (مخاطر عالية مقابل عوائد عالية أو خسارة كاملة).
يعي جيدًا مدراء صناديق رأس المال الجريء أنهم يتعاملون مع المجهول ومخاطر عالية جدًا وبالذات في الشركات الناشئة في المراحل الأولية من عمرها، لهذا من المؤكد أنهم سيخطئون أحيانًا في بعض قراراتهم في اختيار الشركة التقنية الناشئة الواعدة جدًا وأحيانا أخرى قد يراهنون على بعض الشركات الفاشلة. ويعود هذا بشكل كبير إلى القراءة المستعجلة للسوق وضغوط عامل الوقت (الثمين) واحتمال اختلاف وجهات نظر الشركاء المديرين داخليًا وكمية الفرص الكبيرة المعروضة على صندوق رأس المال الجريء مما يتوجب عليهم تحديد الأولويات وفرز الصفقات بأسرع وقت ممكن تطابقًا مع جدول الصندوق الزمني المحدد مسبقًا والتزاماتهم وواجب الأمانة أمام الشركاء المحدودين – الموصين (المستثمرين).
أهمية تجهيز غرفة البيانات للفحص النافي للجهالة
مطلب رئيس لمدراء صناديق رأس المال الجريء، فقبل الشروع في الجولة الاستثمارية والعرض الاستثماري معهم وبوقت كافي (كمية المعلومات وجمعها وفرزها وتصنيفها وترتيبها يتطلب كثير من الوقت)، يجب إعداد وتجهيز غرفة البيانات سواءً في مكتب الشركة الرئيس أو رقميًا؛ والتي تغطي جميع الوثائق والمعلومات والتقارير والأرقام التشغيلية والمالية بجانب الوثائق القانونية التي تعكس كامل القصة لشركتك بشفافية ودقة وتعطي انطباعًا إيجابيًا وهامًا عن حرفية وجدية القيادة في شركتك، وبنفس الوقت تقلص الوقت لصناعة القرار بالاستثمار من عدمه لدى المستثمر الجريء أو أي مستثمر أخر من باب الإفصاح ولغرض إجراء الفحص النافي للجهالة بشكل آمن وسهل من قبل مدراء صناديق الاستثمار الجريء، وذلك بعد توقيع مذكرة الشروط.
الإنترنت مليء بإرشادات تفصيلية وشاملة عن غرفة البيانات وبنائها وقوائم لجميع المتطلبات المدرجة في غرفة البيانات. الجديد في بناء غرفة البيانات أنه بالإمكان إنشائها رقميًا بالكامل، ويدخلها المستثمر الجريء من خلال رابط مباشر وكلمة سر خاصة به.
انتهى الجزء الأول من هذا المقال المكون من 3 أجزاء.
بالإمكان الاطلاع على الجزء الثاني من هنا (للمؤسسين الجدد: ما هو رأس المال الجريء؟ (2-3))
وعلى الجزء الثالث من هنا (للمؤسسين الجدد: ما هو رأس المال الجريء؟ (3-3))