قبل الخوض في عملية الجولة الاستثمارية ومخرجاتها يجب أن يحرص المؤسس والشركاء المؤسسين في شركات التقنية الناشئة على عدم المبالغة المفرطة والمنفّرة في تقييم شركاتهم، الذي سيترتب عليه نتائج عكسية ويصعّب الجولات مستقبلًا إذا لم يفشلها. بجانب تفادي استهداف مبالغ جولات غير واقعية، حيث يجب أن تكون المبالغ واقعية ودقيقة لا تقل أو تزيد عن احتياجات الشركة الحقيقية وتغطي مدة لا تقل عن 18 شهرًا على أقل تقدير وذلك بهدف تعزيز نسبة النجاح وجاذبية جولاتهم القادمة.
يجب التنويه إلى أن عملية التفاوض والنقاش على الشروط والقيود القانونية والمالية وهيكلة رأس المال وتوزيع الحصص والعقود مع المستثمر لن نتطرق لها هنا، حيث سنستعرضها في مقال منفصل.
أما فيما يخص الجولة الاستثمارية ذاتها، فيجب عدم الاستعجال بالدخول في جولة خلال المراحل الأولية للشركة الناشئة وتأخيرها بقدر الإمكان إلى ما بعد مرحلة تحقيق إيرادات وبناء قاعدة عملاء؛ بهدف تعزيز ثقة المستثمر ورفع قيمة الشركة (جعل الاستثمار في الشركة جذاب)، وفي نفس الوقت اعتماد استراتيجية التقشف والتمويل الذاتي والاستفادة من المصادر والبرامج المتوفرة في بيئة المنظومة مثل برامج الحوافز والدعم الحكومي للشركات الناشئة أو المنح والمسابقات أو تبادل المنافع وبرامج شركات التقنية العالمية الداعمة للشركات الناشئة ( المسرعات كملاذ أخير)، وبكل تأكيد عدم اللجوء إلى الاقتراض بأي شكل من الأشكال (القروض في مراحل متأخرة جدًا والمدعومة باستقرار التدفقات النقدية ووجود نمو مستقر).
الهدف الرئيس هنا يكمن في التركيز على بناء وتنمية الشركة وتجاوز منطقة وادي الموت، بالتالي رفع قيمة الشركة وعدم اضعاف تحكم المؤسسين بشركتهم في المراحل المبكرة من عمرها بدون جولة استثمارية. في نفس الوقت ومن البداية (قبل التفكير في جولة استثمارية)، يتوجب أن يحرص المؤسسين على بناء قاعدة شبكة اتصالات وعلاقات قوية وذات جودة عالية باستمرار وبالذات مع منظومة الشركات الناشئة ومستثمري رأس المال الجريء للتعريف بشركتهم ولتعزيز فرص نجاح الجولة الاستثمارية مستقبلًا.
تحديات الجولة الاستثمارية
البداية ستكون بالتأكيد على أن التحدي الكامن في الجولة الاستثمارية مصدره صعوبة هذه المرحلة من عمر شركة التقنية الناشئة، حيث تستهلك الكثير من الوقت والجهد والموارد وبنفس الوقت قد تؤثر سلبًا وتؤدي إلى إهمال أو تأجيل الاهتمام بالمهمة الرئيسة والمتمثلة في تطوير أعمال الشركة الناشئة وتنمية إيراداتها.
في منظومة الشركات التقنية الناشئة تعتبر الجولات التمويلية أو الاستثمارية من أصعب المحطات وأهمها (فشل الجولة الاستثمارية يهدد استمرارية الشركة الناشئة أو يبطئها) في رحلة بناء الشركات الناشئة وأكثرها تحدي للمؤسسين، وذلك لكون مخرجاتها في الغالب تأتي بما لا يتمناه المؤسسين وبالذات عندما يتبنون الممارسات الخاطئة والمشورة المغلوطة بجانب الجهل بالتعامل مع شركات وصناديق رأس المال الجريء أو الفشل في قراءة أهداف المستثمر (مثل الحصول على حصة أكبر بأقل مبلغ ممكن أو التخارج المبكر).
وبناءً على هذه المعطيات المعاكسة لرغبات المؤسسين سنأخذ مسارًا غير تقليدي في سرد ما يجب تفاديه أو عمله عند الاقدام أو الشروع في عملية الجولة الاستثمارية، بهدف تثقيف وتوعية المؤسسين وترجيح كفة العلاقة مع المستثمر للوصول إلى نتيجة إيجابية متساوية وعادلة للطرفين وتفادي الندم من شراكة طويلة المدى غير متكافئة وسلبية. كذلك استيعاب أنك تطلب من المستثمر الذي لا تعرفه أو يعرفك كما يجب استثمار أمواله العزيزة عليه جدًا في مستقبل شركتك وفكرتها المعروضة عليه فقط بالأوراق بمثابة توقعات وبدون تاريخ سابق مقنع على أرض الواقع وتلزمه بالانتظار لسنوات (5-7سنوات) لكي تحقق عائدًا مجزيًا (قد يتحقق أو لا يتحقق).
بداية، من المهم إدراك المؤسس أنه في حالة إغلاق جولته على شكل استثمار أو قرض، فإن قوانين اللعبة قد تغيرت كليًا وأصبح مسؤولًا ومسائلًا من المستثمر أو المقرض، ولم يعد لوحده وبأمواله وكل قرار يتخذه يتطلب الأخذ بعين الاعتبار أن هناك شركاء جدد في شركته. بجانب ذلك، يريد المستثمر أن يرى عوائد والمقرض يطلب سداد القرض، إضافة إلى الالتزام بالشفافية في كل تعاملاته.
مرة أخرى لا بد من التأكيد على أن التحدي الكامن في الجولة مصدره صعوبة تجاوز هذه المحطة من رحلة الشركة التقنية الناشئة، حيث تستهلك الكثير من الوقت والجهد والموارد وفي نفس الوقت وكما هو سائد تؤثر سلبًا مؤدية إلى إهمال او تأجيل الاهتمام بالهدف الرئيس والمتمثل في تنمية وتطوير أعمال الشركة الناشئة.
تتجسد صعوبة الجولة الاستثمارية عالميًا بما في ذلك منطقتنا، بأن نسب النجاح في إغلاق الجولة متدنية جدًا لكونها محصورة على النخبة من المؤسسين المميزين ذوي المشاريع المبدعة والقابلة للنمو العابر للحدود وفريق العمل القوي؛ وبلغة الأرقام نسبة النجاح بين 1-10%، وتقل نسبة النجاح للجولات التالية إلى 30% من الحاصلين على الجولة الأولى مع إدراك أن المناخ المالي والاقتصادي والسيولة تحكم تذبذب هذه النسب صعودًا أو هبوطًا.
عملية الشروع في حملة جولة استثمارية وتنفيذها من تقديم العرض الاستثماري بنجاح من المهارات المكتسبة بالممارسة والتدريب المستمر، لهذا يجب على المؤسس الاعداد الجيد لها والتدرب على تقديم العروض الخاصة بشركته التقنية الناشئة بكفاءة وجدية عالية أمام شركات رأس المال الجريء أو المستثمرين بشكل عام والذي يتطلب الكثير من الوقت والجهد والعناية والتحديث المستمر للعرض بعد كل مقابلة وتحليل التجربة بسرعة عالية لتصحيح المسار لتحقيق نتائج أفضل.
ومن الأساسيات في تقديم العرض الاستثماري، أن يكون المؤسس الذي سيقدم العرض (بجانب الدراية بإستراتيجية المستثمر الذي سيقدم له العرض) ملمًا كل الإلمام بجميع الحقائق والأرقام والبيانات الخاصة بشركته ومنتجها وقطاعها وعملائها وبكل ما يتعلق بها، بجانب الحضور المبهر والثقة العالية بما يعرض بدقة ومصداقية، وقدرته بعد كل عرض على التعلم بسرعة من الأخطاء وتفاديها في العروض التالية.
الحقيقة الثابتة التي يجب إدراكها من كل مؤسس بأنهم سيكونون أمام خبراء ومحترفي استثمار يستعرضون جولات استثمارية يوميًا وعلى مدار السنة، بينما أنت كونك مؤسسًا ستقوم بجولة أو جولتين أو حتى ثلاث في عمر شركتك، لهذا يجب الإعداد والتخطيط الجيد لتقديم عرض متقن ومقنع أمام خبراء استمعوا للآلاف قبلك ومثلها وأكثر بعد عرضك.
ونتيجة حتمية للعروض على المستثمرين لأول مرة، يقع المؤسس في أخطاء وسوء تقدير سواء بالحكم المسبق على النتائج المحتملة أو افتراضات نمطية خاطئة مسبقة، بجانب الإفراط أحيانًا في التفاؤل بالنتائج قبل حصولها. مثل هذه الأمور يجب تفاديها وعدم الخوض أو التفكير فيها كي لا تؤثر على عملية الجولة وعروضها للمستثمرين أو القراءة الخاطئة لمدى اهتمام المستثمر بشركتك. كذلك من المهم جدًا الإلمام التام بالإستراتيجية الاستثمارية للمستثمر ومدى توافقها مع أهداف وإستراتيجية شركتك والقيمة المالية والمعنوية المضافة لها وذلك قبل الشروع في العرض على المستثمر المستهدف (هل هذا المستثمر هو الذي أرغب في شراكته لسنوات قادمه أم لا).
الفصل التام بين إدارة أعمال الشركة وعملية الجولة الاستثمارية
من الممارسات الخاطئة والشائعة عند الشروع في جولة استثمارية انخراط الجميع (مؤسسين وشركاء وموظفين) في العملية، مما ينتج عنه الإهمال والتقصير في المتابعة الحثيثة لنمو وتطوير أعمال الشركة الناشئة نتيجة تشتيت الجهود والموارد بين إدارة الشركة وعملية الجولة، والذي سيتسبب في تقليل فرص نجاح الجولة وربما افشالها بجانب التأثير السلبي على أعمال الشركة (فشل مزدوج).
ما هو البديل؟ البديل لهذا التخبط والرمادية هو الفصل التام بين إدارة الشركة وعملية الجولة، وذلك لسبب رئيسي هو أن الجولة كما ذكر أعلاه تتطلب جهدًا كبيرًا ووقتًا طويلًا وصبرًا أكثر لتنفيذها (قد تتجاوز السنة)، بجانب أن الجولة معقدة ومتشعبة ومليئة بالمفاجئات والكبوات غير السارة والمتكررة؛ مثل التفاوض المطول والشروط التعجيزية والرفض والمماطلة مرورًا بعدم الرد على عرضك، مما قد ينعكس سلبًا على إدارة الشركة. ويتم الفصل بأن يقود الرئيس التنفيذي/المؤسس عملية الجولة بالكامل كأولوية قصوى لإلمامه بالصورة الكبرى والرؤية والأهداف والقيم للشركة منفردًا، أو بالتضامن مع أحد المؤسسين أو فريق مصغر، وذلك بمعزل تام عن بقية المؤسسين الشركاء والموظفين المنشغلين بالكامل بإدارة نمو وتطوير أعمال الشركة.
من القواعد المتعارف عليها والمهمة في عالم الشركات الناشئة وتمويلها والتي يتم تجاهلها أو حتى التفكير فيها (الجهل بها) من المؤسسين وجوب – افتراض أن المبلغ المتحصل عليه من جولة ما لشركتك هو اَخر استثمار ستستطيع الحصول عليه – مما يترتب عليه الحرص على التخطيط السليم وتوفير عناصر النجاح للجولة ولاحقًا العناية التامة بكيفية التوظيف الصحيح والدقيق لمبالغ الجولة لشركتك.
ختاما، هذه القاعدة تؤكد ما ذكرناه سابقًا وهو مدى عمق وجدية الإعداد للجولة والفصل التام بين عملية إدارتها وإدارة أعمال الشركة. بجانب إدراك صعوبة إغلاقها بنجاح والتشديد على أهمية التوظيف الصحيح لهذا الاستثمار لتحقيق الأهداف بترشيد المصاريف، والتركيز على نمو قاعدة العملاء والسوق والتي ستنعكس إيجابيًا على الإيرادات، وبالتالي تقييم الشركة كذلك على الجولة الاستثمارية القادمة مع استيعاب أن الوضع ما بعد إغلاق الجولة ليس كما قبل الجولة كليًا.
شاركنا هذا المقال مشكورًا، ظافر صالح القحطاني، رائد الأعمال والمستثمر في عدة شركات ناشئة.