مع انتشار صناديق الاستثمارات الجريئة في المنطقة، تأتي أسئلة كثيرة حول ماهية هذه الصناديق من حيث أنواعها وطرق الاستثمار بها وفائدتها لمنظومة الاستثمار الجريء ككل. في هذه المقالة سنتحدث عن هذا الموضوع بشيء من التفصيل.
بداية، فصندوق الاستثمار الجريء هو صندوق استثماري يتخصص في الاستثمارات الجريئة، وتحديداً في الاستثمار في الشركات التقنية الناشئة.
كيف تتشكل هذه الصناديق؟
عادة، يتم تأسيس الصندوق من أفراد لديهم الخبرة الكافية والاحترافية لادارة الاستثمارات الجريئة. يؤسس هذا الفريق شركة لإدارة الاستثمارات ثم يقومون بوضع استراتيجية لأول صندوق يراد تأسيسه والمبلغ المستهدف جمعه، بعدها يقومون بلقاءات مكثفة مع مستثمرين محتملين للاستثمار معهم. تبدأ هذه الشركة عادة بتأسيس ( صندوق أول ) لاستثماراتها، ثم بعد الانتهاء من صرف استثمارات الصندوق الأول، يقومون بتأسيس صندوق ثاني وهكذا. يملك الشركة الأفراد المؤسسين والمتعارف على تسميتهم بالشركاء او Partners. تسمى الشركة التي تدير هذه الصناديق ( مدير الصندوق ).
كيف يتم جمع الأموال من المستثمرين؟
على عكس الصناديق الاستثمارية الأخرى، لا يقوم المستثمرون في الصندوق بتحويل أموالهم من أول يوم. بل يقومون بذلك بشكل تدريجي وذلك لأسباب مالية لها علاقة باحتساب العوائد. لذلك، فإن المستثمر في الحقيقة ( يتعهد ) بتحويل أمواله في حال طلبها من ( مدير الصندوق ) بإرسالها فورا. هنالك ثلاث مصطلحات مهمة في هذه العلاقة.
- المبلغ المتعهد به ( Committed Capital ): وهو المبلغ الذي وافق المستثمر على ضخه في الصندوق.
- المبلغ المستثمر ( Invested Capital ): وهو المبلغ الذي تم طلبه من مدير الصندوق وقام باستثماره.
- طلب الاستثمار (Capital Call): وهو المبلغ الذي طلبه مدير الصندوق من المستثمر.
مثال: قام عبدالله ومحمد بتأسيس شركة لأدارة الصناديق الجريئة، وقررت الشركة انشاء أول صندوق بحجم 100 مليون ريال. وافق اربعة مستثمرين على تغطية كامل الصندوق بمبلغ 25 مليون لكل منهم. بعد شهرين، توصل مدير الصندوق مع أحد الشركات الناشئة إلى اتفاق بأن يقوم الصندوق بالاستثمار في الشركة الناشئة بمبلغ 20 مليون ريال. بعدها يقوم مدير الصندوق بإرسال نموذج طلب استثمار Capital Call إلى المستثمرين الأربعة ومطالبة كل منهم بتحويل 5 ملايين ريال ( حسب حصة كل منهم ) إلى حساب الصندوق. بالتالي تكون المبالغ مقسمة كالتالي:
- المبلغ المتعهد به سابقا ( 100 مليون ) ثم يصبح بعد الطلب ( 80 مليون ).
- المبلغ المستثمر ( 20 مليون ).
أحياناً، يقوم مدراء الصناديق بطلب تحويل مبالغ من أول يوم حتى لو لم يكن لديهم استثمار جاهز، والهدف هو اختبار ملاءة وجدية المستثمرين في الصندوق.
كم عمر الصندوق؟
عادة مايكون عمر الصندوق عشر سنوات مقسمة إلى مرحلتين. المرحلة الأولى مدتها خمس سنوات وتكون مخصصة للاستثمار وتسمى Investment Period، ثم خمس سنوات لاحقة للقيام بتخارجات من الاستثمارات التي تمت الخمس سنوات الأولى. عادة، يتعهد المستثمرين في الصندوق بتحويل الأموال خلال الخمس سنوات الاولى فقط.
من يستطيع الاستثمار في هذه الصناديق؟
عادة مايستثمر في هذه الصناديق المستثمرين المؤسساتيين مثل الشركات وصناديق التقاعد وغيرها من المؤسسات الاستثمارية الضخمه. وأحياناً تقبل هذه الصناديق استثمارات من أفراد ذو ملاءة عالية. لايحرص مدراء الصناديق على المستثمرين الأفراد وذلك بسبب العلاقة طويلة المدى والتي تتطلب وجود ملاءة مالية عالية لمدة خمس سنوات، بالإضافة إلى طول مدة الحصول على عوائد، والتي لاتتناسب مع المستثمر الفرد عادة.
الرسوم والعوائد
يقوم مدير الصندوق بإدارة الاستثمارات مقابل رسوم إدارية تتراوح بين 1.5% – 2.0% سنوياً من إجمالي المبلغ المتعهد به Committed Capital، بالإضافة إلى 20% من إجمالي أرباح الصندوق وتسمى Carry Interest. فلو قام مدير الصندوق في المثال السابق بتحقيق ربح قدره 100 مليون ريال، فإن مدير الصندوق يأخذ 20 مليون من هذه الأرباح. هناك أيضاً بعض الرسوم والتكاليف التي يتكبدها الصندوق وتختلف من صندوق لآخر.
يتوقع المستثمرون في هذه الصناديق أن تدر عليهم أرباح عالية جداً، أما في الحقيقة، فالعوائد تختلف من صندوق لآخر. ونظراً لطبيعة المخاطر المترتبة على مثل هذه الاستثمارات، فإن العوائد البالغة 20% سنوياً تعد الحد الأدنى المقبول من قبل المستثمرين للاستثمار في الصناديق الجريئة. ( يسمى معدل عائد داخلي أو IRR )
ماهي طبيعة العلاقة بين المستثمر ومدير الصندوق، وكيف يتم اتخاذ القرار؟
من المتعارف عليه أن المستثمر لايحق له التدخل في القرارات الاستثمارية لمدير الصندوق. فهناك فصل تام بين مدير الصندوق ويسمى General Partner H أو اختصاراً GP و المستثمر في الصندوق ويسمى Limited Partner أو اختصاراً LP. والقرار الاستثماري يتم اتخاذه عن طريق لجنة استثمارية تسمى Investment Committee أو اختصاراً IC، وهي لجنة من خبراء خارجيين يعينهم مدير الصندوق ولكن يجب أن يصادق على تعيينهم المستثمرون أو من ينوب عنهم.
والحقيقة أن المستثمرين المحترفين في الصناديق يرغوبن في مستوى حوكمة عالي لذلك يرفضون التدخل وذلك بسبب أن مدير الصندوق يأخذ رسوما إدارية ونسبة من أرباح الصندوق. بالتالي، فإن من أهم واجباته هو اتخاذ القرارات الاستثمارية الصحيحة والتي سيتم تقييمه لاحقاً بناء عليها. وعليه، فإن تدخل المستثمر في القرار لايعطي رؤية صحيحة لأداء مدير الصندوق.
استراتيجيات الصناديق
تختلف الصناديق في استراتيجياتها. فالبعض يتخصص في الجولات الابتدائية Seed Investment والبعض في الجولات اللاحقة Series A,B، أما البعض الآخر فيتخصص في الجولات المتأخرة Series C,D,F, Pre-IPO. يرتبط بذلك وضع الصناديق لشروط معينة، كأن تبدأ الشركة بتحقيق مبيعات، أو وجود منتج جاهز.
أيضاً من ضمن الاستراتيجات التي يبنى عليها الصندوق هي هل سيقوم الصندوق بقيادة الجولات الاستثمارية أم سيتبع صناديق أخرى. في الغالب، فإن مايحدد ذلك هو حجم الصندوق و حجم الاستثمار في كل شركة، بالإضافة إلى وجود كوادر مؤهلة لقيادة الجولات.
إضافة إلى ذلك، فإن المناطق الجغرافية تلعب دوراً أساسياً في استراتيجية الصناديق. فالبعض يركز على منطقة الشرق الأوسط مثلاً، والبعض الآخر يركز على دولة معينة، ونوع ثالث لايضع حدوداً جغرافية لاستثماراته.
أخيراً، تقرر بعض الصناديق التركيز على قطاع بعينه، مثل أن يتخصص الصندوق في التقنية المالية، أو التجارة الالكترونية، أو الأمن السيبراني.
كيف يتم تحديد حجم الصندوق؟
والطريقة التي تبنى عليها عادة حجم الصناديق هي البدء بوضع السوق المستهدف. فمثلاً، يقرر مدير الصندوق أن هناك حاجة للمزيد من الاستثمارات في سوق الجولات الابتدائية، بالتالي يقوم باحتساب عدد الاستثمارات التي يرغب بالقيام بها، والمبلغ المخصص لكل استثمار، ليخرج أخيراً بحجم الصندوق الأمثل. مثلاً، لو قرر مدير الصندوق أن يستثمر في 30 شركة في مرحلة Seed، وأن يعطي لكل شركة 300 ألف ريال، فإنه بحاجة 9 ملايين ريال. ولكن، دائما مايأخذ مدير الصندوق في الاعتبار القيام بجولات لاحقة – ولكن بمبلغ أكبر من 300 ألف – في نفس الشركة التي استثمر بها ابتداءاً وتسمى Follow-on Investment. لذلك، فإن مبلغ 9 ملايين لن يكفي لاستثمارات الصندوق، وعليه فإن مدير الصندوق قد يرغب بجمع 9 ملايين أخرى لتغطية الاستثمارات اللاحقة. كما أن مدراء الصناديق دائماً يأخذون بالحسبان المصاريف التي سيتكبدها الصندوق مثل المصاريف الإدارية وغيرها، لذلك فهم يضيفون هذه المصاريف للمبلغ المستهدف جمعه من المستثمرين. لايوجد نسب محددة لكل هذه المتغيرات، وتختلف من صندوق لصندوق.