تطوير العلاقة مع رأس المال الجريء
كونك مؤسسًا جديدًا وبجانب مهمتك الرئيسة ببناء شركتك التقنية الناشئة، لا بد أن تبدأ ببناء وتطوير علاقات شخصية قيمة ومتينة مبنية على الثقة المتبادلة مع الأفراد العاملين في قطاع الاستثمار الجريء وبالذات الشركاء المديرين في مراحل مبكرة من رحلتك الريادية وحتى قبل التفكير في خوض جولة استثمارية، حيث أنك في هذه المرحلة لا تبحث عن أموال بل علاقات شخصية مميزة ومثمرة.
وهدف تطوير هذه العلاقات هو التحضير لجولة استثمارية للحصول على استثمار جريء في المستقبل المنظور مع المستثمر المناسب لشركتك إذا كان هذا خيارك التمويلي لنمو شركتك.
ويتوجب الحرص على أن تكون العلاقات مع أفراد في شركات رأس المال الجريء التي تتوافق مع رؤيتك وطموحك ووجود موائمة لتطلعاتك لشركتك واستراتيجيتها، وأنه سيكون هناك قيمة مضافة لشركتك الناشئة في حالة نجحت في جذب استثماراتهم في شركتك (لا تهدر الوقت والموارد مع رأس المال الجريء الذي لا يتوافق مع طموحك ورؤيتك لمستقبل شركتك). وابتعد كليًا عن مقولة وعقلية – بل إنسَ “إنني أريد منهم الاستثمار فقط” – لأنهم عندما يستثمرون يصبحون شركاء رسميًا وقانونيًا وأنت أصبحت شريكًا مسؤولًا ومسائل أمامهم عن هذه الأموال وكيف ستوظفها في شركتك وكيف ستحقق العوائد عليها في المدى المتوسط والطويل.
أثناء رحلة بناء هذه العلاقات الهامة لمستقبل شركتك وقبل التخطيط لجولة استثمارية بمراحل لا بد من الحرص على أن تكون مؤسسًا متميزًا وتستعد لإبهارهم مع الحفاظ على الوضوح والشفافية في طرحك والتحلي بالواقعية بعيدًا عن العواطف، وذلك لشد انتباههم والاستحواذ على اهتمامهم بهدف أن يتيحوا لك المزيد من الوقت (وقت رأس المال الجريء ثمين فاستغله أحسن استغلال) للحديث معهم والتعريف المتأني برؤيتك وطموحك وخططك للنمو السريع لشركتك مع الاستمرار بتحديث أطراف العلاقة بالمستجدات في شركتك، بهدف ترك انطباع مبدئي قوي ومبهر عن شغفك بمشروعك ويكون ذلك من خلال إدارة حوار ونقاش وليس القيام بعرض استثماري. لا تنسَ أن كل هذا قبل التفكير بالقيام بجولة استثمارية.
ومن الأمور الواجب السعي لها أثناء هذه الرحلة الممتعة والمضنية أحيانًا وإيجاد توازن بين العواطف والواقع، هو الحصول على النصيحة والمشورة من حين إلى آخر من هؤلاء الأفراد (رأس المال الجريء)، وذلك من خلال مبادرة المؤسس الجديد بطرح الأسئلة التي تأتي أهميتها من عدم ارتباطها بطلب أموال أو مصالح أخرى (ملاحظة أو إجابة عفوية إيجابية من صديق)، وستحصل على أجوبة مفيدة وبدون مصالح وفي نفس الوقت يعطي ذلك انطباعًا جيدًا وإيجابيًا عنك وشركتك بجانب التأسيس لعلاقة ثمينة ومتينة بالتواصل المستمر ستحتاجها في المستقبل القريب (رأس المال الجريء يتعامل ويقابل مئات من المؤسسين باستمرار- من سيتذكر؟ ومن سينسى؟).
تأكد أنك إذا كنت مميزًا ولديك مشروع واعد وقابلية للنمو السريع لكن في مراحل مبكرة من عمر الشركة فإنهم لن يقولوا “لا”، وإنما “ارجع لنا عندما تصل مرحلة …… أو تحقق …… “، أو يقومون بتوصية من خلال تقديمك لشركة رأس مال جريء أخرى بحكم العلاقة التي طورتها معهم في السابق. علمًا أن بناء هذه العلاقات ستستمر معك لمدة طويلة لحاجتك لهم في الجولات المستقبلية إلى أن يتم التخارج من شركتك (نأمل بأن العلاقة تنتقل من مستوى المصافحة إلى مستوى المعانقة). فعليًا من الصعب على المؤسس الجديد رفض ضخ رأس مال جديد في شركته لكن أحيانًا وبعيدًا عن العواطف هذا الرفض يكون هو القرار الصحيح، كون رأس المال الجريء المناسب لشركتك قد لا يضمن نجاحها لكن بالمقابل والمؤكد أن رأس المال الجريء غير المتناغم والمتوافق مع شركتك ورؤيتها وقيمها وخططها سيؤثر على فرص نجاحها سلبًا.
عرضك الاستثماري لرأس المال الجريء
العرض الاستثماري موضوع كبير ومتشعب ومن المهام الأساسية والمهمة التي يلزم التعامل معها من بداية رحلة المؤسس الجديد وتبقى ملازمة له طوال رحلته الريادية، حيث أنها أداته الرئيسة للتعريف بشركته التقنية الناشئة وبالذات عندما يسعى إلى جذب المستثمرين وتحديدًا رأس المال الجريء. لهذا من المهم حرص المؤسس الجديد على إعداد عرض استثماري مميز ومبهر ومقنع بجدوى الاستثمار في شركته الناشئة (من المهم الاستعانة بذوي الخبرة في تطوير وإعداد العرض الاستثماري).
السرد التالي عن العرض الاستثماري من منظور رأس المال الجريء بشكل عام، والذي لا يغني بكل تأكيد عن معرفة ما يبحث عنه المتلقي لعرضك وتغطيته بوقت كاف والإعداد له.
بداية، المتلقي لدى رأس المال الجريء يفضّل دائمًا أن يكون من السهل والسريع فهم واستيعاب محتوى العرض الاستثماري وفي نفس الوقت يحمّسه ويعزز القناعة لديه لطلب المزيد لدراسة هذه الصفقة، الذي قد يتطور الوضع إلى إعداد مذكرة الشروط وبدء التفاوض وزيارة غرفة البينات – للمزيد عن مذكرة الشروط اتبع هذا الرابط (هل أنت جاهز لمذكرة الشروط والتفاوض عليها؟ ).
علمًا بأن رأس المال الجريء يكون رأيه بسرعة عن عرضك مع محدودية المعلومات المعروضة عليه عادة بحكم الخبرة والممارسة ومئات العروض التي يحضرها باستمرار، لهذا يجب استغلال هذه الفرصة أفضل استغلال فليس من السهل أبدًا أن تتاح للمؤسس الجديد.
رأس المال الجريء يبحث عن سرد في عرضك ذو علاقة مباشرة بالمشروع وعرض واضح مرتبط بالبيانات والأرقام التقديرية والاحصائية من مصادر موثوقة مدعمة بفرضيات منطقية وواقعية وبالذات عندما تكون شركتك في المراحل الأولية، أما في المراحل المتقدمة سيتطلب العرض أرقامًا من النتائج المالية والتشغيلية المدققة لشركتك.
المتطلبات الهامة للعرض الاستثماري المميز
بجانب الشرائح التي ستستعرضها أمام رأس المال الجريء سيرافق عرضك الجزء الشفهي ويجب أن يكون بشكل حوار وحديث مع المتلقي وليس خطاب منسق وناشف معد مسبقًا تلقيه عليه، وذلك لإتاحة المجال للسؤال والاستفسار عن النقاط الهامة الخاصة بشركتك أثناء العرض والحصول على الإجابات المقنعة (نقاش ذو اتجاهين) وفي نفس الوقت تتيح لرأس المال الجريء فهم كيف تفكر وما هي خططك؟ لكون المتلقي من مدراء رأس المال الجريء يقيّم الشكل والمحتوى الذي هو صلب الموضوع بجانب طريقتك في العرض ونقاط الضعف لعرضك وشركتك، وهل أنت شريك محتمل جدير باستثمارهم؟ أو هل سيتحقق العائد المستهدف؟ كذلك يقارن بينك وبين العروض الاستثمارية الأخرى المماثلة بهدف المفاضلة واختيار الأفضل.
لهذا من المهم جدًا أن يكون العرض الاستثماري شديد الوضوح ويسوده الطرح السلس والبديهي من خلال عرض محتوى مبسط للغاية ومباشر مع توظيف المصطلحات المفهومة للمتلقي من رأس المال الجريء الذي تقف أمامه (افترض أنك مدير صندوق رأس مال جريء.. فما الذي تريد سماعه؟).
احرص أن تكون في كل شريحة عرض جملة قوية ذات علاقة بموضوع الشريحة مع المحافظة على وضوحها وبساطتها (ابتعد عن الحشو والجمل الاستعراضية والمعقدة).
وركز على ابراز طموحك وشغفك المستمر بمشروع شركتك خلال عرضك لتعزيز الثقة بك وبمشروعك لدى مدراء الصندوق. وتذكر أن عرضك وطريقة عرضك ستعطي فكرة واضحة عن انجازاتك وعن مستقبل العلاقة مع رأس المال الجريء، ولا تنس أنك تعرض على أفراد ذوي خبرة وممارسة عميقة ويقرأون ما بين السطور وما خلفها وسبق وقوف المئات أمامهم قبلك والمئات بعدك. ومن خبرتي شخصيًا كنت أصل إلى قرار في الاستمرار بالحوار من عدمه قبل أن ينتهي العرض الاستثماري.
لا بد من الإشارة إلى أنه من المهم جدًا الإلمام التام بما سيعرض والتحدث به أمام مدراء الصندوق والدراية التامة بكل صغيرة وكبيرة عن الشركة وخططها وإجادة الدفاع عن الفرضيات والأرقام المعروضة بدون تردد أو تلعثم، والإجابة على أي سؤال أو استفسار بدقة وشفافية.
ونشدد على هذا الموضوع لأنه بمثابتك مؤسسًا جديدًا لن تتاح لك مثل هذه الفرصة بسهولة أبدًا، وستقوم بهذا العرض في وقت وجيز جدًا (20 دقيقة كحد أقصى) عشرات المرات، لهذا من المهم استغلالها وتوظيفها لصالحك بما أتيت من مهارات وإمكانيات لتحقيق هدفك من هذا العرض الاستثماري وهو الاستثمار في شركتك وإغلاق الجولة بنجاح بأسرع وقت ممكن لكي تعود إلى قيادة تطوير شركتك وتنميتها.
ومن المواضيع المهمة التي يجب ذكرها والتركيز عليها في شرائح العرض الاستثماري – الروية والقيم، والفريق والشركة المُشكلة (فكرة المشروع)، والمنتج أو الخدمة، ودخول السوق والفرصة المتاحة، والتموضع والنمو ونموذج العمل (الإيرادات)، والمنافسة، والخطط المستقبلية، وتختم بطلبك للاستثمار (المبلغ والحصة). عدد الشرائح عادة يتراوح بين 8-15 شريحة حسب نوعية الشركة الناشئة والشائع والمفضل هو 10 شرائح.
أهمية الجولة الاستثمارية مع رأس المال الجريء
تكمن صعوبة الجولة الاستثمارية في أنها تستهلك الكثير من الوقت والجهد والموارد ومعدل نجاحها ضئيل جدًا، حيث أنك ستسمع الكثير من الرفض، وفي حالة القبول الأوّلي فلن تسمع “نعم” مباشرة إلا بعدد العديد من الاجتماعات والنقاشات التفصيلية، في حالة طالت العملية التفاوضية فلن يتردد مدراء الصندوق بالتوقف وإلغاء الصفقة، لهذا من البداية وفي كل لقاء حافظ على مستوى الإيجابية واندفاعك وحماسك لشحن حماس واهتمام مدير الصندوق بشركتك لإغلاق الجولة.
ولا تستبق الأحداث، حيث أن القبول الأولي لا يعني أن الجولة نجحت واحتمال فشلها في أي لحظة وارد حتى تحصل على الأموال وتودع في حساب الشركة.
من المهم الاستيعاب في المراحل الأولى أن التقييم المطروح من رأس المال الجريء مبني على خطة التخارج المستقبلية لمدير الصندوق، ولا يمثل قيمة شركتك الآن. لهذا يجب النظر للموضوع من منظور مختلف وبواقعية وهو أنك تنازلت عن نسبة معينة مقابل مبلغ معين في هذه المرحلة المبكرة وهنا يلزم المحافظة على التوازن بين التقييم ونسبة ما تخسره من حصتك لصالح صندوق رأس المال الجريء وتفادي المبالغة المفرطة فيه لكون التقييم يعتمد بشكل كبير على معايير السوق والتقييم لشركات مشابهة أخرى، وحجم الجولة، بجانب وجود عروض أخرى مغرية لك ومدى نجاح شركتك ومخاطرها.
تأكد أن مدير الصندوق يسعى للحصول على حصة معينة بأقل تقييم ممكن لهذا لا بد من السعي إلى الوصول لتقييم عادل مرضي للطرفين للحصة المستهدفة (المؤسس والصندوق الاستثماري)، وبالذات إذا كانت القيمة المضافة من المستثمر مفيدة لمستقبل شركتك.
أخيرًا، ما ذكر في الأجزاء الثلاثة لا يغني بأي شكل من الأشكال عن البحث والتقصي وطلب المشورة فيما يخص منظومة رأس المال الجريء والتعامل معهم، وبالذات إذا كانت استراتيجيتك هي النمو السريع وليس الإيرادات والنمو الأفقي مع أهمية وجود مرشد له تجارب موثقة ومعروفة في منظومة شركات التقنية الناشئة ورأس المال الجريء. ما تطرقنا له يُعد جزءًا صغيرًا جدا لا يُذكر مقارنة بما كُتب أو نوقش في كتب، دوريات، محاضرات، مدونات، ندوات وفيديوهات بجانب ما يوجد على الإنترنت عن المواضيع أعلاه. لهذا اقرأ واسمع واحضر وشاهد بقدر الإمكان وباستمرار لكون رحلة الريادة ممتعة ومرهقة في نفس الوقت وتتطلب منك الاستكشاف والتعلم المستمر والإصرار على أخذ الخطوة التالية.
نأمل كذلك أن نكون قد حفزنا المؤسس الجديد وفريقه على معرفة المزيد والانغماس في منظومة شركات التقنية الناشئة وأنشطتها وفعالياتها ومؤتمراتها والإلمام بمدى وعمق ارتباطها برأس المال الجريء، كذلك لا تتردد في السؤال وطلب المساعدة من المؤسسين الذين سبقوك لكون المنظومة تعتمد على التعاون والمساعدة وتبادل المعلومة والمعرفة والخبرة لأن المنظومة تريد نجاحك الذي هو نجاحهم كذلك.
ختامًا ما يهمنا من هذا السرد ألا يغفل المؤسس الجديد عن أهمية رأس المال الجريء لمستقبل شركته والتعمق في معرفة المزيد عنهم، بجانب بناء علاقة وثيقة ومثمرة أثناء رحلته الريادية وبالذات إذا كان النمو السريع هو الهدف.
انتهى الجزء الثالث والأخير من هذا المقال.
يمكن الاطلاع على الجزء الأول هنا (للمؤسسين الجدد: ما هو رأس المال الجريء؟ (1-3)).
كما يمكن الاطلاع على الجزء الثاني هنا (للمؤسسين الجدد: ما هو رأس المال الجريء؟ (2-3)).