حدثت الثورة التكنولوجية العربية الأولى حينما استحوذت ياهو على مكتوب في عام 2009. كان هذا الحدث محوريًا في قيادة جيل كامل من رواد الأعمال، في الأردن بشكل رئيسي، وكذلك في بلاد المشرق ( لبنان والأردن) ومصر. فيما سبق عام 2008، كان يسيطر على التكنولوجيا في العالم العربي شركات إعادة البيع وشركات الخدمات التقنية. كنت في ذلك الوقت في وادي السيليكون، وكان تأثير العالم العربي على التكنولوجيا، بالنسبة إلى وادي السيليكون، كان كالثقب الأسود.
تسبب استحواذ ياهو في إعطاء التقنيين في العالم العربي جرعة من الأمل، حيث برهنت المنطقة على أنها قادرة على عمليات تخارج في المجال التقني! ثم أصبحت منطقه بلاد المشرق مليئه بالشركات الناشئة، وقامت بعض الدول بإضفاء الطابع المؤسسي على هذه الجهود من خلال إطلاق حاضنات ومسرعات الأعمال، وكان أبرزها أويسس500 في الأردن. بدأ التقنيون يسمعون عن ممولي الجولات الابتدائية، وبصورة خاصة المستثمرين الملائكيين والتمويل الجريء.
ولكن سرعان ما ظهر واقعًا جديدًا على هذه الحماسة الريادية و المساعي الإستثمارية الناشئة، حيث أدركت الشركات الناشئة أنها تحتاج إلى سوق لإستهلاك إبتكاراتها، وفيه تستطيع التوسع بشكل كبير. لذلك بدأت كل الأنظار تتجه إلى الإمارات العربية المتحدة، وخاصة دبي.
في عام 2012، كانت دبي في ذلك الوقت تشهد تحولًا في حد ذاتها، حيث كانت تؤسس قوانين وقواعد تنظيمية جديدة لدعم روح ريادة الأعمال. الرسالة الجديدة لدبي كانت واضحة، يمكن الآن لرواد الأعمال في بلاد المشرق إطلاق الشركات الناشئة من البداية هنا في دبي.
أصبحت دبي أيضًا تجمعا لحاضنات ومسرعات الأعمال، أبرزها In5 التي انبثقت من مدينة الإنترنت. أخيرًا أصبح بإمكان رواد الأعمال إطلاق شركة ناشئة وإمتلاك رخصة تشغيل بأقل من 500 دولار. قبل ذلك الوقت، كان إنشاء شركة تكنولوجيا ناشئة في الإمارات أكثر تكلفة بكثير.
حافظت دبي علي بناء سمعتها المميزة كمركز للتكنولوجيا في منطقه الشرق الأوسط وشمال افريقيا. ما هو أكثر إثاره للإهتمام هو أنه حتى لو كنت ترغب في التوسع إلى السعودية، فعليك الذهاب عبر دبي أولًا. كنا نعلم جميعًا أن جميع الطرق تؤدي إلى السعودية إذا أردت إثبات النجاح الإقليمي. لقد كانت آنذاك، وحتى أكثر من ذلك الآن، السوق الأكثر ربحًا، ولكن بسبب النظرة المختلفة في ذلك الوقت، والعقبات التنظيمية ، فإن التوسع إلى السعودية بدا وكأنه توسع على استحياء وليس توسعاً حقيقياً بحجم سوق السعودية.
ظل الوضع علي ما هو عليه حتى عام 2016، عندما أطلقت السعودية مبادرة رؤية 2030. مع هذه المبادرة جاء بحر من التغيير وتبادر إلى الأذهان المشهد الشهير من فيلم Dune، “لقد استيقظ النائم”، شهرًا بعد شهر، بدأت تسمع عن المزيد من التطورات الهامه في مشهد التكنولوجيا السعودية.
في وقت مبكر من عام 2018، قررت تحويل وظيفتى المسائية للإستثمار الملائكي إلى عمل يومي، وإطلاق صندوق تمويل تأسيسي لدعم الإبتكار التكنولوجي العربي. في ذلك الوقت كنت أعيش في دبي وبطبيعة الحال كنت أفكر في تأسيس صندوق التمويل التأسيسي هناك. كنت أعرف أن المشهد التكنولوجي السعودي يزداد سخونة، ولكن كل شيء أصبح واضحًا بالنسبة لي عندما حضرت معرض جيتكس في عام 2018.
نظرًا لأنني كنت منخرطًا في المشهد التكنولوجي الإقليمي، فكان يجب علىّ حضور فعاليات معرض جيتكس سنويًا، وفي فعاليات معارض جيتكس السابقة، كنت ترى وجودًا سعوديًا متناثرًا، ولكن لا يمكن إعتباره هامًا بأي شكل. في عام 2018، استحوذت المملكة العربية السعودية على قسم ريادة الأعمال في معرض جيتكس، حيث تجد نفسك غارقًا في كم من المنظمات السعودية التي تعمل بلا كلل من أجل تحفيز ريادة الأعمال في السعودية.
لذا، قررت أنتقل إلى الرياض في أوائل عام 2019. إن التغيير في السعودية يشكل أمراً مذهلاً وجوهرياً، لدرجة أن يجب رؤيته ومعايشته حتى يمكن تصديقه حقًا. ببساطة، المكان مشتعل فيما يتعلق بروح ريادة الأعمال.
بدأ رواد الأعمال الإقليميون تأسيس الشركات من البداية في الرياض. كل شهر تشاهد قاعدة تنظيمية جديدة، أو مبادرة تمويل جديدة، أو مستثمر جديد يعمل بجد لجعل هذه الثورة الجديدة لريادة الأعمال التكنولوجية أقوى.
تجب الإشارة إلى كيانين ذهبا لأبعد الحدود لتحويل المشهد التكنولوجي السعودي بشكل حقيقي، وهما الهيئة السعودية العامة للاستثمار (SAGIA) والشركة السعودية للاستثمار الجريء (SVCC) التابعة لمنشآت، لما قاما به من خلال البرامج العديدة الداعمة للشركات التقنية الناشئة في السعودية .
أضف إلى ذلك أن عملية الإستحواذ الرسمية لشركة أوبر على شركة كريم في شهر مارس كانت بمثابة الدفعة المثالية اللازمة للتأكيد على أهمية الاستثمار في هذا النوع من الأصول التقنية. كانت كريم للسعودية مثلما كانت مكتوب للأردن.
اليوم، إذا نظرت إلى المنطقة، فستجد نفسك متفائل بسعادة، لمشاهدة ما يحدث في السعودية، وكذلك مصر، أبوظبي والبحرين بشكل ملحوظ. لديك شعور بأن روح المبادرة هي خيار شرعي وجذاب لمواطني المنطقة وأنا سعيد بأن أكون، من خلال نما للاستثمار الجريء ، جزءاً من هذا الواقع الجديد.