مقالات

كيف تلعب اقتصاديات الشبكة في نجاح الشركات التقنية الناشئة؟

لو نظرنا لكيفية نشوء القيمة للبضائع في الأسواق التقليدية سنرى أن القيمة مرتبطة بخاصية مميّزة بالمنتج، فكلما كان المنتج فريدًا من نوعه زادت قيمته عن المنتج المنافس له.

ولكن ماذا يحدث من خلال التطور التقني للمنتجات الرقمية؟ وماهي آليات صناعة القيمة التي تفسر كفاءة المنتج الرقمي؟ ومتى يكون ناجحًا؟ ولماذا أصلًا تتولد قيمة خاصة بالمنتجات الرقمية؟

في هذا المقال سننظر لبعض أنواع المنتجات الرقمية من حيث سماتها الخاصة التي شكلت طريقًا للمستخدمين في خلق قيمة حقيقية.

مثلًا لو نظرنا إلى فيسبوك، لماذا لايعتبر منافسًا في السعودية بينما في دول أخرى يكاد يكون وسيلة التواصل الأكثر شيوعًا؟ إنه ببساطة عدد المستخدمين وتفاعلهم في مجتمعٍ ما. فإن كنت الوحيد بالمجتمع الذي يستخدم فيسبوك، فلن يكون ذا قيمة. ولكنه أصبح ذا قيمة في بعض البلدان بسبب انتشار استخدامه في مجتمعهم. لذلك بعض الشركات الناشئة عندما تصدر منتجًا رقميًا في سوق معين تتنافس فيه، فإنها لا تعطي اهتمامًا كاملًا لخصائصه المميزة بل لعدد المستخدمين الذين سيُشكلون شبكة واسعة فيما بعد. لأنه كلما استخدم التطبيق شخص جديد ستزداد قنوات التواصل المضافة، وكلما ازدادت قنوات التواصل كلما زادت القيمة الكلية لكل المستخدمين وارتفعت قيمة التطبيق ذاته. وفي هذه الحالة، ما يحدد قيمة التقنية هو عمق تبني فكرتها (استخدامها) والإقبال عليها من المستخدمين وهو ما يعرف بـ (level of adoption).

وهذا ما تُركّز عليه اقتصاديات الشبكة (Network Economics)، وهو كيفية نشوء القيمة الحقيقية وتطورها من خلال تضاعف عدد المستخدمين وتأثير هذه الشبكة في التوسع، وهذا يعني أنه كلما زاد عدد المستخدمين كلما زادت القيمة لكل المستخدمين.

عنصر آخر مهم أيضًا في نجاح المنتجات الرقمية وهو مستوى التكامل (level of complementarities)، حيث يمكن لشركة معينة أن تستحوذ على “شبكة من المستخدمين” من خلال التكامل مع شركة أخرى، أو تقنية أخرى، أو ببُنى تحتية أخرى؟

وكثير من الشركات التقنية الناشئة تعمد إلى التكامل بهدف الحصول على مزايا خاصة لتطوير المنتج وتغفل عن التكامل بهدف الحصول على شبكة مستخدمين. ولأنه غالبًا ما تعجز الشركات عن صناعة مستوى عالي من تبني فكرتها (level of adoption) والذي يولّد القيمة الفعلية للمنتج والمطلوبة لتبرير الاستثمار فيه؛ فإن التكامل مع شركات أخرى هو الوسيلة المثلى.

وأبسط مثال لذلك  سامسونج؛ لم تقدر على صناعة نظام التشغيل الخاص بها وبأجهزتها، لذلك اعتمدوا على التكاملية مع نُظم تشغيل وشبكات مستخدمين آخرين تابعة لشركات أخرى. وبسبب هذا التكامل تكون المنتجات الرقمية مستخدمة بشكل واسع، وهذا يعني أنها تولد قيمة عالية للمستخدمين، وبالتالي تصبح قيّمة جدًا للشركات الأخرى ذات الخدمات المُكمّلة. ما يفسر كيف ولماذا تولّد المنتجات البسيطة قيمة كبيرة للمستخدمين. باختصار؛ تأتي القيمة الحقيقية لهذا النوع من المنتجات الرقمية من “عدد المستخدمين” وليس التقنية ذاتها.

أحد مفاهيم اقتصاديات الشبكة وأهميته في خلق قيمة للمنتجات الرقمية: الـ Critical Mass

وهو مصطلح فيزيائي الأصل، ولكنه في سياق الشركات الناشئة المعتمدة بشكل أساسي على تفاعل المستخدمين يعني وجوب تواجد عدد كافٍ من المستخدمين حتى يكون انخراط المستخدم بمنتج تقني معين ذو قيمة. وتطبيق الواتساب مثال على ذلك. فأنا لن أشترك بالواتساب كمستخدم أول، ولكن عندما يستعمله عدد كاف من الزملاء والمعارف أو بمعنى تقني “الشبكة”.

وهذه واحدة من أهم التحديات الحرجة في مواجهة جميع الشركات التقنية الناشئة؛ وهي بناء قائمة المستخدمين installed base والتي تولد قيمة كافية لتبرير سعر الاشتراك أو الشراء للمستخدمين الأوائل. ومن هنا تبرز ضرورة إيجاد آليات لدعم المستخدمين الأوائل، لأنهم يتحملون تكاليف الاشتراك أو الشراء لاستخدام التقنية بدون تلقي قيمة حقيقية كافية إلا عندما يشترك مستخدمون آخرون بالنظام أو التطبيق، وقد اتبعت الشركات التقنية الناشئة الكثير من الاستراتيجيات لكسر هذه الحواجز، سأشير لأهمها، وهي:

  • تقديم منتجاتها التقنية بالمجان لزيادة العثور على المستخدمين وضمهم لاستخدام وتجربة المنتج، ومن ثم ربما يفرضون رسومًا فيما بعد. هذا يحدث في البداية فقط، لأنه ستنشأ منافسة بين الشركات إذ وفرت كل الشركات منتجاتها بالمجان في السوق مما يصعب الوضع على أي شركة للوصول إلى (level of adoption).
  • توليد قيمة مستدامة لمجموعة من المستخدمين الأوائل لنأخذ مثال فيسبوك مرةً أخرى، الكثير يعرف كيف بدأ فيسبوك عمله من خلال مجتمع صغير من طلاب الجامعة، وهكذا تم كسر الـ critical mass وتجاوزها في صنع القيمة، حيث لم يكن نوع التقنية التي استخدمتها فيسبوك هي من كسرت حاجز الـ critical mass، لكن عدد المستخدمين الأوائل، ثم قاموا بعد ذلك بتطويره وإضافة مزايا لاحقًا. لذلك تسعى الشركات التقنية الناشئة لإيجاد آليات لتقليل تكلفة بناء الـ Critical Mass لتحقيق النجاح، حيث تعتمد على القيمة الناتجة من “تأثير شبكة المستخدمين” والأخذ بعين الاعتبار استفادة المستخدمين الجدد من المستخدمين الأوائل، أو استغلال شبكات أخرى متواجدة بالفعل عن طريق التكامل الذي ذكرناه سابقًا.
  • تقليل تكلفة الـ Critical Mass عن طريق subsidizing (الدعم المالي)، مثلما تفعله أوبر، حيث تشجع المزيد من السائقين للانضمام للشبكة وجعلها فاعلة مقابل نسبة معينة من المال مما يساعد في تكوين مستخدمين أكثر مع مرور الوقت.

مشكلة مفهوم الـ critical mass أنه ليس مجرد رقم، فمثلًا إذا جذبت الشركة 120 مستخدمًا جديدًا ستحصل على قيمة لكن هذا يعتمد على كل مستخدم جديد كفرد بعينه. فأنا قد أجد قيمة في الوضع الحالي من المستخدمين، ولكن مستخدم آخر يطمح للحصول على قيمة تتطلب تواجد مستخدمين أكثر للتطبيق. وهذا صعب من الناحية الإدارية أو بمرحلة التخطيط الاستراتيجي، لأن الشركات التقنية الناشئة تسعى لتخطيط النمو بطريقة مدروسة واعين لتكلفة الفرد للانضمام (individual cost for engagement) وكلما قلت التكلفة كلما قلت القيمة التي تحتاج توليدها لتقوية هذا التفاعل بين المستخدمين. وهكذا عن طريق تحليل دراسات السوق يتم تحديد مجموعات استهداف مختلفة (Different target groups) بتكلفة قليلة. وبهذه الطريقة تستطيع الشركات التقنية الناجحة من التنبؤ بردة فعل السوق لأنهم في الواقع يساعدون في إعادة تشكيله وتوضيح أماكن الاستثمار الجيد وتطبيق الاستراتيجيات الملائمة لجذب مزيدًا من المستخدمين.

الفكرة في تحقيق مليون مستخدم -مثلًا- تعتبر السلعة التنافسية في السوق، كما فعلت الشركات التقنية الرائدة باختراق السوق التقني بسهولة بهذا العدد، ولكن المشكلة دائمًا هي كيف تقنع المستخدمين بالحيلولة دون التبديل إلى منصة أخرى.

إن مفهوم اقتصاديات الشبكة (Network Economics) مهم لإدراك كيفية استخدام الشركات لهذه الاستراتيجية والتطور من خلالها لتحقيق الاستثمارالاقتصادي بتنامي الشبكة وتوسعها.



شاركتنا بهذا المقال مشكورة، سهام المبارك، مستشارة تطوير الأعمال في الشركات الناشئة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى