يبحث بعض المستثمرين عن طرق للاستحواذ على حصص في الشركات الناشئة بأساليب مبتكرة، كلها تهدف إلى الحصول على جزء من ملكية الشركة بأقل قدر ممكن من المال، أو حتى بدون أي مقابل نقدي. فمنهم من يعدك بتقديم مكاتب مجانية، والآخر يعدك بأن يسخر علاقاته لخدمتك، أما البعض الآخر فيعدك بالحصول على عقود تزيد من مبيعاتك، والعرض الأخير – المبيعات – هو مايهمنا في هذا المقال. و هذا النوع من المستثمرين إما أن يطلب تقييماً منخفضاً بشكل كبير عن تقييم السوق للشركة الناشئة نظير قيامه بزيادة مبيعاتك، وهذا يعني أنه سيدفع قيمة حصته ولكن بخصم كبير، أو أن يستحوذ على الحصة بدون أي مقابل نقدي.
مثلاً، تبدي شركة متخصصة في بيع العطور رغبتها بالاستثمار في موقع تجارة إلكترونية متخصص بالعطور، ثم تعرض على مؤسسي الموقع أن تقوم الشركة بتسويق الموقع لعملاءها، وبالتالي رفع مبيعات الموقع، مقابل أن تحصل على حصة في الشركة بدون أن تدفع ريالاً واحداً. أو أن تقوم الشركة بالاستثمار ضمن جولة استثمارية ولكن بتقييم منخفض عن تقييم الجولة الذي سيدفعه بقية المستثمرين.
المثال الآخر، أن يقوم عميل للشركة الناشئة بهذا العرض. شركة تقنيات تعليمية ترغب ببيع خدماتها لمدرسة كبيرة لديها آلاف الطلاب، فتقرر المدرسة أن تحصل على نسبة من الشركة الناشئة مقابل توقيع العقد.
هذه الأمثلة، وإن كانت من وحي الخيال، إلا أنها تتكرر في الواقع كثيراً. ومؤسسوا الشركات الناشئة يتلقون مثل هذه العروض بشكل مستمر.
غالباً، فإن المستثمرين الجريئين لايقومون بذلك، بل من يقوم به هو المستثمر الاستراتيجي أو الشركات القابضة والعائلية، وذلك لقدرتهم على تقديم خدمات للشركة الناشئة بحكم أن نشاطهم مقارب لنشاط الشركة التي يريد الاستثمار بها.
أما المستثمر الجريء فهو يقدم خدماته بالمجان، بل إنه يخصص جزءاً من وقته لتقديم خدماته للشركات التي استثمر بها، أو مايعرف بالقيمة المضافة، سواء كانت تهدف إلى رفع المبيعات أو تخفيض التكلفة، أو حتى المساعدة بالتوظيف.
حسناً، ماهي إشكاليات هذا النوع من الاستثمار؟
أولاً: أن هذه الطريقة في تقديم القيمة المضافة مقابل حصص في الشركة تجعل المستثمر يتردد في تقديم المزيد في حال كان هذا المزيد لايعطيه حصص إضافية، مع أنه واجبه كمستثمر، أن يساهم في زيادة مبيعات الشركة. مثال للتوضيح: لو أن مستثمراً حصل على نسبة 10% من أحد الشركات الناشئة مقابل أن يجلب لها مبيعات بقيمة مليون ريال. ثم قام المستثمر بالوفاء بوعده، فهل سيقوم بجلب مليون آخر بدون مقابل؟ بافتراض قدرته على ذلك. الغالب أنه لن يفعل. والسبب أن المستثمر عامل هذه الخدمة معاملة الاستثمار النقدي، وأنها قدمت بمقابل، بالتالي فإن تقديمه لمليون آخر سيخضع لمناقشات للحصول على نسبة اضافية.
ثانياً: كيف سيتم تقييم مبيعات قيمتها مليون ريال؟ كم النسبة المفترض أن يحصل عليها المستثمر؟ إذا كان تقييم الشركات الناشئة فيه من التعقيد والتخمين الشيء الكثير، فإن تقييم “مبيعات” يقدمها المستثمر سيزيد من الطين بلة. ثم ماهو الإطار الزمني لهذه الخدمة؟ هل سيقوم المستثمر بضمان المليون لمدة عشر سنوات مثلاً؟ ماذا سيحدث بعد أن تنتهي هذه الفترة الزمنية؟ هل سيتوقف المستثمر عن الدعم؟ ثم ماذا لو لم يستطع المستثمر الوفاء بوعده؟ كيف سيتم تعديل نسبته؟ ثم كيف سيتم تقييم حجم المبيعات الذي قدمه، لنقل أنه استطاع جلب مبيعات بقيمة 800 ألف فقط. ماذا سيحدث حينها؟
كل ماسبق هي نقاط يستحيل تقريباً تحديدها ووضعها في إطار قانوني أو اقتصادي تعاقدي، وسيدخل الطرفان لامحالة في إشكاليات لانهائية.
ثالثاً: لو قبلت الشركة بهذا العرض، فالمستثمرين الآخرين سيكونون أمام خيارين لاثالث لهما: إما أن يحصلوا على نفس العرض مقابل حصص مثلهم مثل المستثمر الآخر، أو أن يتوقفوا عن تقديم قيمة مضافة للشركة بسبب أن غيرهم يحصل على مقابل وهم لا. وفي كلا الحالتين، الخاسر الأول هو الشركة الناشئة. هذا لو افترضنا أن هناك مستثمر جريء سيقبل أن يدخل في صفقة، أحد أطرافها سيحصل على حقوق من هذا النوع. لأن الغالب أن المستثمرين الجريئيين يرفضون بشدة مثل هذه الهيكلة ويخيرون الشركة الناشئة بينهم وبين المستثمر الآخر.
يعرف كل مستثمر رأس مال جريء محترف، أن من أوجب واجبات المستثمر هو أن يقدم قيمة مضافة للشركة التي استثمر بها. والأسواق التي ينشط فيها المستثمرون ويرتفع فيها الطلب على الاستثمار في الشركات التقنية، تصبح مسألة المساهمات النقدية ليست بذات الأهمية – فالكل لديه كاش – ولكن العبرة بالقيمة المضافة التي يقدمها المستثمر للفريق المؤسس. بالتالي لو قام كل مستثمر بربط قيمته المضافة بالاستحواذ على حصة من الشركة، فالخاسر هو الشركة بكل الأحوال.
للأسف الشديد، يقع مؤسسوا الشركات الناشئة في هذا الفخ كثيراً، وذلك بسبب حجم الإغراءات التي تقدم لهم. لكننا، بالمقابل، ننصح الرياديين بالابتعاد قدر الإمكان عن هذا النوع من الاستثمارات، والتفاوض مع المستثمر ومحاولة إقناعه بأن كل ماسيقدمه للشركة سيعود عليه هو بالنفع. أما إن كان ولابد من هذا الاستثمار وبهذا الشكل، فالتفاوض حول أدق التفاصيل سيحمي الشركة – نسبياً – من تداعيات هذه الهيكلة السيئة.