صناديق الاستثمار الجريئة هدفها واحد، وهو تنمية رأس المال المستثمر بأضعاف مضاعفة عن طريق الاستثمار في شركات ناشئة واعدة. ورغم أن رحلة عمل الصناديق تبدو واحدة، إلا أن هناك اختلافات كثيرة وتفاصيل متعددة خلف عمل كل منها. هذا الاختلاف يعتمد بشكل كبير على أطروحة الاستثمار التي سبق وأن كتبت عنها في مقال سابق، واستراتيجية الصندوق. كمدير استثماري في أحد صناديق الاستثمار الجريئة، سأحاول في هذه المقالة تغطية بعض النقاط الهامة والمتعلقة باستراتيجية الاستثمار الخاصة بهذه الصناديق.
عمر الصندوق وسنوات الاستثمار
عند تأسيس الصندوق يقوم مدير الصندوق بتحديد عمر الصندوق الكامل وتحديد عدد سنوات الاستثمار. ومن المتعارف عليه خصوصاً في الصناديق المتخصصة بالاستثمار في المراحل المبكرة أن يكون عمر الصندوق الكامل عشرة سنوات، بعدها تتم تصفية أصول الصندوق. أما بالنسبة لسنوات الاستثمار فعادة ما تكون خلال أول سنتين إلى خمس سنوات من عمر الصندوق، يقوم مدراء الصندوق بعد سنوات الاستثمار بمحاولة التخارج من كل شركة على حدة وتوزيع العوائد على المستثمرين خلال عمر الصندوق. ونستطيع القول أن المدة المتوقعة من بداية الاستثمار وحتى التخارج، في حال الاستثمار في المراحل المبكرة، يكون بين خمس وعشر سنوات بمتوسط سبعة أعوام. ولهذا تحرص الصناديق أن تستثمر في شركات تستطيع من خلالها تحقيق عوائد عالية جداً على استثماراتها خلال هذه المدة.
نوع وطريقة الاستثمار
عادة ما تستثمر الصناديق بشكل مباشر في الشركات الناشئة إما عن طريق شراء أسهم ممتازة أو عن طريق شراء سندات قابلة للتحويل إلى أسهم ممتازة، ويكون التحويل في الجولة التالية التي تتحدد فيها قيمة الشركة. وعادة ما تقوم الشركات الناشئة في المراحل المبكرة (مرحلة ما قبل البذرة Pre-Seed ومرحلة البذرة Seed) بجمع تمويل عن طريق تقديم سندات قابلة للتحويل لأسهم لسهولة إجراءاتها وحتى لا يتم تقييم الشركة في مرحلة مبكرة. وكما أن الكثير من الصناديق تستثمر بشكل مباشر في الشركات الناشئة، تجد بعض الصناديق تدرج ضمن استراتيجيتها استقطاع نسبة محددة من حجم الصندوق لتملك أسهم أو حصة في صندوق آخر مما يجعله صندوق صناديق (Fund of Funds). فمثلاً يتم استثمار 80% من حجم الصندوق في الشركات بشكل مباشر و02% من حجم الصندوق يتم استثمارها في صندوق أخر يستثمر بدوره في الشركات الناشئة.
نسبة الاستثمار
بعض الصناديق تحدد نسبة معينة للتملك في الشركات كجزء من استراتيجيتها، فمثلاً قد تحدد نسبة تملك 10% من الشركة كشرط للاستثمار. هذه الصناديق عادة ما تحصل على مقعد في مجلس إدارة الشركات المستثمر بها. والصناديق والمدفوعة بهذه الاستراتيجية عادة ما تتخلى عن الكثير من الصفقات بسبب ارتفاع قيمة الشركة حيث يصعب الوصول لنسبة التملك المستهدفة. في المقابل تجد كثير من الصناديق غير مدفوعة بتملك نسبة محددة في شركات محفظتها.
قيادة الجولات الاستثمارية
بعض الصناديق تقوم بقيادة جولات استثمارية، ومن مهام قائد الجولة تحديد قيمة الشركة وتقديم اتفاقية استثمار تحوي شروط الجولة (Term Sheet) وذلك بعد إجراء الفحص النافي للجهالة. وعادة ما يستثمر الصندوق القائد مالا يقل عن 25٪ من المبلغ المطلوب في الجولة، كما أنه يحصل على مقعد في مجلس إدارة الشركة. وغالباً ما تقود الجولات صناديق كبيرة أو أحجامها كبيرة ويكون عدد فريق الاستثمار فيها كبير أو إذا كانت صناديق متخصصة في مجال معين يتطابق مع مجال الشركة. ونظراً لأن قيادة الجولات تتطلب عمل أكثر تجد أن عدد الجولات التي يشارك فيها الصندوق سنوياً أقل من الصناديق التابعة. والصناديق التابعة عادة لا تلتزم بالاستثمار بالجولة التمويلية إلا بعد حصول الشركة على قائد للجولة لأنها لا تقيم الشركة ولا تقدم اتفاقية الاستثمار للشركة وإنما تعتمد القيمة التي اتفق عليها قائد الجولة مع الشركة. وتقوم الصناديق التابعة بتحليل الشركة من قبلها وإجراء فحص نافي للجهالة خاص بها ومن ثم اتخاذ قرار الاستثمار من عدمه بناء على القيمة المحددة. ولا تحصل الصناديق التابعة عادة على مقعد في مجلس الإدارة.
عدد الشركات المستثمر بها والمشاركة في جولاتها التالية
نظراً لأن أغلب الشركات الناشئة تفشل، يلاحظ أن كثير من الصناديق تعتمد استراتيجية “الرش والانتظار” أو كما تسمى “Spray and Pray” وهو مصطلح يعني توزيع مبالغ صغيرة على عدد كبير من الشركات بشكل سنوي على أمل أن ينجح القليل منها. وهذه الاستراتيجية تعتمد على بعض الإحصائيات التي تذكر أن نسبة نجاح الشركات في المراحل الأولية أقل من 2% وبالتالي عليها الاستثمار ب 50 شركة على الأقل حتى تجد شركة أو عدد قليل من الشركات التي تحقق عوائد عالية جداً تغطي العوائد المتوقعة من الصندوق ككل. وهذه الاستراتيجية متبعة لدى الكثير من مسرعات الأعمال ومن الصناديق المتخصصة في مرحلة ما قبل البذرة ومرحلة البذرة. هذه الصناديق تجدها تستثمر كل مبالغ الاستثمار في هذه المرحلة وغالباً لا تخصص جزء للاستثمار في شركات صندوقها للجولات التالية. في المقابل تجد صناديق أخرى تستثمر في عدة مراحل وتركز على الاستثمار في عدد أقل من الشركات و تحتجز جزء من مبالغ الصندوق لدعم الشركات في الجولات التالية.
كانت هذه بعض النقاط التي تميز الصناديق عن بعضها، علماً أن استراتيجية الصناديق قد تختلف داخل الشركة الاستثمارية الواحدة، فمثلاً يكون الصندوق الأول له استراتيجية والصندوق الثاني له استراتيجية مختلفة. فمثلاً نحن في شركة جرافين فنتشرز نركز على الاستثمار بالشركات الناشئة بشكل عام ولكن تجد أن تركيز الصندوق الأول كان على مرحلة البذرة بينما جاء الصندوق الثاني ليكمل الصندوق الأول ويشارك في الجولات التالية للشركات الناجحة من الصندوق الأول، أما صندوق جرافين الثالث فيركز على الاستثمار في مرحلة البذرة ومرحلة (أ)وأحيانا (ب). وإن رغبت جرافين بالاستثمار في مراحل النمو والتوسع لشركة معينة فيتم ذلك عادة من خلال تأسيس صناديق مخصصة لهذا الاستثمار فقط وتسمى صناديق ذات غرض محدود أو Special) Purpose Vehicle).