مقالات

التقنية المالية حول العالم وفي منطقة الشرق الأوسط

مقدمة عن التقنية المالية

لطالما كانت التقنية هي أكثر عوامل التغيير تأثيراً. في السنوات القليلة الماضية استفاد قطاع الخدمات المالية بشكل كبير من التطور التقني، وواصلت التقنية هيمنتها على الصناعة حتى ظهرت صناعة جديدة تدعى التقنية المالية أو Financial Technology وتعارف على اختصارها بـ Fintech، هذه الصناعة تنمو بشكل ملحوظ، وبها تستخدم الشركات تقنيات حديثة ونماذج أعمال متطورة لتقديم منتجات وخدمات مالية مميزة.

استمرت تقنيات ومنتجات FinTech في الانتشار والنمو في السنوات الماضية. العديد من شركات FinTech تعمل الآن، وبعضها بالفعل أصبحت شركات عملاقة – بتقييم يتجاوز 1 مليار دولار- . للأشهر الثلاث قبل ديسمبر عام 2019 كان هنالك بالفعل 66 شركة FinTech طرحت اسهمها للإكتتاب العام، وفقاً لدراسة قامت بها  CB Insights هذه الشركات العملاقة بلغ أجمالي قيمتها 243.6 مليار دولار.

نظرة على قطاع FinTech حول العالم

من منظور عالمي، فأسواق FinTech ضخمةٌ وتتزايد وتستمر في النمو بصورة واضحة. على الرغم من اختلاف وتيرة النمو الإقتصادي حول العالم، إلا أن وتيرة التطور الجماعية لأسواق FinTech ونموها يثير القلق للمؤسسات المالية القديمة. وبشكل خاص فإن الصعود المتزايد لتقنيات FinTech مكن الكثير من المشاريع الصغيرة للإعتماد عليها من أجل التمويل. خلال الربع الثالث من عام 2019 ، تمكنت FinTech من تمويل 1,387 صفقة بقيمة 24.6$ مليار دولار.

التقنية المالية
المصدر: MasterCard

أنظمة FinTech الإقتصادية في الولايات المتحدة هي الأبرز حول العالم، وفقاً لتصنيفات Findexable Global فإن الولايات المتحدة هي الأفضل أداءً في هذا المجال. المؤشر حدد ثلاثة مجالات أكسبت FinTech قوة اقتصادية محلياً. أول هذه الأسباب هي المدفوعات: أنظمة عملاقة جعلت الولايات المتحدة تتصدر في مجال المدفوعات PayPal. وثانياً تطبيقات الاستثمار.

المملكة المتحدة أيضاً هي لاعب رئيسي في هذا المجال. فتقع مقرات بعض أكبر شركات FinTech في مجال تحويل الأموال عالمياً في لندن. على سبيل المثال؛ TransferWise تقييمها يبلغ قيمتهُ 3.5$ مليار دولار نهاية عام 2019. لندن تأتي في المرتبة الثانية بعد سان فرانسيسكو في تصنيفات Findexable Global للمدن حول العالم.

نظره على قطاع FinTech في الشرق الأوسط وشمال افريقيا

شهدت السنوات الماضية تطوراً ملحوظا في قطاع التقنية المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا. اقتصادات مختلفة من ضمنها المملكة العربية السعودية، الإمارات والبحرين وأخرى غيرها، بدأت بالتركيز على التقنية المالية كخيار مثالي للتنويع الاقتصادي والمساهمة في النمو الاقتصادي. في المقام الأول؛ تهدف جهود الحكومات لجعل دولهم كمراكز لتقنيات FinTech ، وهناك نتائج إيجابية بدأت بالظهور فعلى سبيل المثال بين عامي 2015  و 2019، كان هنالك 181 صفقة تمويلية لشركات  معنية بتقنيات FinTech في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبلغت قيمة تلك الصفقات 212$ مليون دولار. والجدير بالذكر أن هذا يشكل 10% من إجمالي التمويل للشركات الناشئة في تلك الفترة في مختلف الصناعات.

بالإضافة إلى ذلك، أشار تقريرMENA FinTech Venture  الذي أعده كل من سوق أبوظبي العالمي (ADGM) بالشراكة مع مؤسسة (MAGNiTT)، إلى أنّ دولة الإمارات العربية المتحدة تحوي أكبر عدد من الشركات الناشئة في مجال FinTech في المنطقة. وفقاً للتقرير فإن 46% من الشركات الناشئة في مجال FinTech في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا تتخذ الإمارات العربية مقراً لها. من الأمثلة على شركات FinTech في الإمارات العربية: شركة Aqeed بتمويل يبلغ 18$ مليون دولار، Network International بتمويل يبلغ 30$ مليون دينار، وشركات أخرى مثل Yallacompare & Beehive.

ومن أهم المبادرات المميزة والتي ساهمت في تطوير قطاع التقنية المالية في المملكة العربية السعودية، مبادرة فنتك السعودية من مؤسسة النقد والتي تهدف إلى تسريع وتيرة ونمو وتطور التقنية المالية في السعودية، وتأسيس فهم شامل للتقنية المالية، ودعم وتطوير المنشآت الصغيرة والمتوسطة المختصة في التقنية المالية، بالإضافة إلى إنشاء منتجات وخدمات لدعم مشاريع الأعمال. الجدير بالذكر بأن قطاع خدمات المال والتأمين وخدمات الاعمال حقق نمواً بلغ قدره 8٪ في المملكة العربية السعودية في عام 2019.

لمحة على بعض شركات التقنية المالية في قطاعات فرعية مختلفة:   

المدفوعات الرقمية 

تنتمي معظم شركات FinTech في المملكة العربية السعودية وفي عموم منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمجال المدفوعات الرقمية. من بين 18 شركة FinTech في المملكة مصرحٌ لها للعمل ضمن مؤسسة النقد العربي السعودي (SAMA Regulatory Sandbox) تسعةٌ منها تعني بمجال المدفوعات الإلكترونية.

يعد PayTabs أحد أشهر مدفوعات FinTech الرقمية. تأسست في الكويت عام 2013، والشركة يتم تشغيلها الآن من المملكة العربية السعودية حيث مقرها الرئيسي هنالك. PayTabs تقدم حلول الدفع الرقمي بين الشركات (B2B)، تستهدف الشركة بشكل أساسي الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعمل على الأنظمة الرقمية، بواسطة PayTabs يمكن للشركات قبول مدفوعات البطاقات عبر الإنترنت بسهولة وبساطة. من خلال أنظمة منع الاحتيال لدى PayTabs وبوابة الدفع الآمن، يتم ضمان أمن الشركات الصغيرة والمتوسطة وخفض التكاليف عند التعامل مع المدفوعات الرقمية.

توفر PayTabs ثلاث خدمات رئيسية؛ أولها: المدفوعات عبر الإنترنت، وتقوم الشركة بذلك من خلال منصة دفع خاصة. وثانيا؛ تقدم خدمة PayPage ومن خلالها يمكن للشركات إعداد الفواتير، وإرسال الفواتير لعملائهم. بالإضافة إلى ذلك؛ يمكن من خلال PayPage قبول مدفوعات العملاء من خلال بطاقات الخصم أو البطاقات الائتمانية. ثالثا: تتيح PayTabs لمستخدميها إجراء دفعات متكررة، ويتضمن ذلك قدرة المستخدمين على إدارة اشتراكات العملاء.

التمويل الجماعي (Lending-Crowdfunding)

في المملكة العربية السعودية ومنظفة الشرق الأوسط وشمال افريقيا عموماً، التمويل الجماعي منتشر بين شركات FinTech، في المملكة تعد منصة Forus واحدة من أربعة شركات FinTech مرخصة في المملكة ضمن الشركات التي تهتم بالتمويل الجماعي وتركز فرص على تمويل الند للند (Peer 2 Peer lending). على وجه الخصوص فإن Forus في عملها تعتمد على جانبين: من ناحية؛ فهي تمد الشركات الصغيرة والمتوسطة بالقروض داخل المملكة.  كشرط مسبق؛ على الشركات الصغيرة والمتوسطة أن تملك نموذج عمل سليم وكذلك احتمال كبير للنمو في المستقبل. قبل أن تحصل هذه الشركات على التمويل، تجري Forus الخطوات اللازمة لتحديد درجة الإئتمان الخاصة بها. ولتحقيق ذلك؛ تختار الشركات الصغيرة والمتوسطة أولاً مبلغ القرض الذي تريده، ثم تجيب على بعض الأسئلة المستهدفة.

من ناحية أخرى، تقبل Forus مساهمات من صغار المستثمرين، هذا هو المصدر الرئيسي للأموال لتمويل الشركات المتوسطة والصغيرة. يمكن لأي شخص في المملكة العربية السعودية الاستثمار في المنصة حيث يبلغ الحد الأدنى للمساهمة 1000 ريال سعودي، ويتراوح معدل العائد للإستثمار من 6% إلى 20%.

كشركة ناشئة في مجال التكنلوجيا المالية FinTech ، فإن Forus تتمتع بميزة تنافسية واضحة حيث أن تمويل الإقراض الجماعي (crowdlending) هي ظاهرة متنامية  في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. على وجه الخصوص، فإن ظهور طرق الإقراض البديلة أمر ضروري بسبب صعوبة الوصول للتمويل من قبل الشركات الصغيرة والمتوسطة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وفقاً لتقرير صادر عن المنتدى الإقتصادي العالمي، فإن 7% فقط من اجمالي القروض المصرفية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تذهب إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة. رغم أن الشركات الصغيرة والمتوسطة تغطي مانسبته 96% من الشركات في هذه المنطقة.

الإقراض للمستهلك

صناعة فرعية أخرى في قطاع التكنلوجيا المالية FinTech تزدهر في المملكة العربية السعودية وهي الإقراض للمستهلكين.

واحدة من الشركات الناشئة الأكثر شهرة في هذا القطاع هي Tamam. بدأت Tamam عملياتها في عام 2019، وعلى الفور تقريبًا؛ حصل على ترخيص من مؤسسة النقد العربي السعودي . الهدف الرئيسي لـ Tamam هو تسهيل وصول الخدمات المالية لملايين السعوديين. ومن المثير للاهتمام أن هذه إحدى الركائز الأساسية لرؤية 2030 ، وهي خطة المملكة العربية السعودية الكبرى لتحويل الاقتصاد بحلول عام 2030.

يستهدف تمام المستهلكين الأفراد في جميع أنحاء المملكة كعملاء أساسيين. يجب على العملاء تنزيل تطبيقTamam  قبل الوصول إلى تسهيلات القرض. يمكن للعميل الذي تكون معلوماته صحيحة الوصول إلى قروض فورية تصل إلى 5000 ريال سعودي. بعد استلام القرض؛ أمام العملاء 28 يومًا لسداد رأس المال والفائدة بالكامل. التفاصيل الوحيدة التي يحتاجها المستهلكون للوصول إلى القروض هي رقم الهوية الوطنية، ورقم الهاتف، وتفاصيل تاريخ الميلاد.

التمويل الجماعي (Equity crowdfunding)

تقوم فكرة التمويل الجماعي على استخدام مبالغ صغيرة  من عدد كبير من الأفراد لتمويل الشركات وبالأخص الشركات الناشئة. يحصل المستثمرون مقابل استثمارهم على نسبة ملكية معينة في الشركة التي تم الاستثمار بها، يصبح المستثمرون هنا أصحاب أسهم فعليين في الشركة. وهذا يعني أنه يمكنهم كسب أرباح منتظمة، إلى جانب ذلك يمكنهم الاستفادة من حصتهم في الشركة الناشئة في حال تم التخارج بنجاح. تتم عمليات التمويل الجماعي في المملكة عبر منصات مرخصة من هيئة سوق المال ومن أبرزها: منصة منافع، منصة سكوبير وهما أول شركتين الذين تمكنوا من الحصول على تصريح هيئة سوق المال في وقت سابق من عام 2018.  كما حصلت شركة فالكم وهي إحدى أبرز البنوك الاستثمارية على التصريح من هيئة سوق المال في عام 2019.

يحقق هذا القطاع نتائج جيدة ونمو ملحوظ في المملكة العربية السعودية. وفقاً لإحصائيات موقع Statista، تبلغ قيمة الصفقات في هذا القطاع حوالي 2.1$ مليون دولار حتى الآن في عام 2020. ومن المتوقع حسب Statista أن تنمو قيمة الصفقات في هذا القطاع بنسبة 9.5٪ – معدل نمو سنوي مركب – بين 2020 و 2023. وبناءً على ذلك، يجب على المستثمرين توقع ارتفاع قيمة المعاملة في هذا القطاع حتى تصل إلى 2.7$ مليون دولار على الأقل في ثلاث سنوات مقبلة.

تتيح هذه المنصات الفرصة للاستثمار في قطاعات غير متاحة في سوق الأسهم وتتميز هذه المنصات بحد أدنى منخفض (1000ريال) يمكّن شريحة أكبر من الافراد للاستثمار وتنويع المحفظة الاستثمارية. كما أنها لا تفرض أي رسوم أو مبالغ على المستثمرين.

أبرز الشركات التي بدأت بالعمل في قطاع التمويل الجماعي في المملكة العربية السعودية هي شركتي منافع وسكوبير.  فقد تمكنت على سبيل المثال منصة منافع من إغلاق 6 فرص استثمارية عبر المنصة في قطاعات مختلفة ومتنوعة مثل: التسويق، المطاعم، الفندقة، وغيرها من القطاعات الأخرى.

المحافظ الرقمية (E-Wallet)

هو قطاع FinTech آخر، أصبحت أهميته أكثر وضوحاً عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. على وجه التحديد، تهدف الشركات الناشئة في هذا القطاع إلى تسهيل المعاملات غير النقدية. إحدى الشركات هي STCPay ، BayanPay. تقدم BayanPay فئتين من الخدمات. أولاً: هناك wallet BayanPay  وهي محفظة إلكترونية تتيح للمستخدمين التسوق، وإرسال الأموال واستلامها بسرعة وأمان. هدف الشركة هو وضع المحافظ الإلكترونية في جميع نقاط التسوق في المملكة لتحفيز تجربة تسوق غير نقدية.

الحل الثاني الذي تقدمه الشركة هو BayanPay Business ، ويهدف هذا الحل إلى تجميع جميع خدمات الدفع عبر الإنترنت في مكان واحد. وهنا تسهل BayanPay بوابة الدفع من شركة إلى شركة (B2B)، ومن مؤسسة إلى عميل (B2C)، ومن المؤسسة إلى الحكومة (B2G).

كما تقدم أيضاً شركة STCPay والغنية عن التعريف خدمات مشابهه تمكن الافراد من الدفع للمشتريات عبر التطبيق والتحويل الدولي والفوري، كما يمكنك التطبيق للتحويل للبنوك المحلية والتحويل عبر رقم الجوال. ولدى شركة STCPay بوابة مخصصة تمكن أصحاب الشركات من إدارة المدفوعات المالية.

في شهر فبراير الماضي من هذا العام، حصلت شركة STCPay على الترخيص الرسمي من مؤسسة النقد العربي السعودي، لتكون بذلك أول شركة تقنية مالية مرخصة في المملكة، وذلك بعد اجتيازها الفترة التجريبية.

في الختام

تعتبر صناعة المدفوعات والتحويلات في الوقت الحالي هي الأكثر هيمنة  في النظام المالي لشركات FinTech في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وتجدر الإشارة إلى أن الاعتماد السريع على خدمات المدفوعات والتحويلات دفع أنظمة  FinTech للنمو بنسبة 39 ٪ (بمعدل نمو سنوي مركبCAGR – ) بين عامي 2012 و 2019. كل ذلك يعني أنّ الأنظمة المالية تتوسع، والصناعات الفرعية الأخرى مثل التأمين الرقمي insurtech والتمويل الشخصي والاستثمار المالي وإدارة الثروة تكتسب شعبية. على هذا النحو؛ يمكننا أنّ نستنتج سوياً أن مستقبل التكنولوجيا المالية FinTech في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أكثر إشراقاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى