مقالات

مذكرة التفاهم والمفاوضات الاستثمارية من منظور قانوني

تُعرف مذكرة التفاهم Memorandum of Understanding (MoU) بأنها وثيقة مكتوبة لتفاهم قانوني مبدئي، وهي تتضمن شروط الاتفاقية المقترحة وأحكامها بين الأطراف، وتكتسب هذه المذكرة أهمية خاصة حينما يتعلق الأمر بالاستثمار، فهي أشبه بخريطة الطريق للأطراف المعنية قبل الدخول في اتفاق ملزم. ولاعتماد هذه المذكرة في المفاوضات رأينا أن نتناول هنا جوانبها القانونية لما لها من أهمية في المجال الاستثماري في الآونة الأخيرة.

ويجدر التنويه ابتداء بأن مذكرة التفاهم هي اتفاقية غير ملزمة في المجمل، وإنما تعبر عن نية الأطراف وما يعتزمون فعله للدخول في اتفاقيات رسمية مستقبلًا، وهذه المذكرة تحدد الشروط الأولية والأحكام الاساسية التي ستحكم العلاقة خلال مراحل التفاوض. ومن منظور قانوني نرى أن مذكرة التفاهم هي اللبنة الأساسية للعقد أو الاتفاق اللاحق، وهي ترسم إطارًا للمتعاقدين، تعينهم على فهم التوقعات وتسهل السبيل لصياغة الاتفاق الرئيس.

وسنسرد فيما يلي المضامين الرئيسة لمذكرة التفاهم، وقد تختلف بعض هذه المضامين والأجزاء بحسب طبيعة الاستثمار ومحل التفاهم.

أولًا: المقدمة والتمهيد:

يجب أن تتضمن المقدمة والتمهيد أسماء الأطراف ويُعين عددهم وتورد بعض المعلومات عنهم في صياغة دقيقة لتمثيل ذلك في بنود الاتفاقية.

ثانيًا: تحديد الأهداف والغرض من مذكرة التفاهم:

ونعني بذلك أنه لا بد من التوافق على غرض المذكرة وتحديد أهدافها وصياغة كل ذلك بعبارة واضحة، فيكون واضحًا للأطراف ما إذا كان الغرض هو التعاون أو الشراكة، كما ينبغي تحديد نطاق الشراكة المقصودة في المذكرة وهدف ذلك التفاهم، فعلى سبيل المثال: قد يكون الغرض من تلك المذكرة هو الدخول في شراكة معينة أو الاندماج أو الاستحواذ، كما ينبغي أن يُنص على طرق التفاوض والمدة التي يتوقع فيها إنهاء التفاوض وهدف الطرفين من إنشاء المذكرة.

ثالثًا: التزامات الأطراف:

يفهم من مذكرة التفاهم أنها مذكرة غير ملزمة، ومع ذلك لكي تكون ذات جدوى ومنفعة لابد أن تتضمن التزامات معينة، فللطرفين وضع بعض الالتزامات أو المسؤوليات أو الاتفاق على قيود محددة أثناء مراحل التفاهم أو التفاوض، وتكون تلك القيود ملزمة لهم ويجب عليهم اتباعها لتسريع التفاهم والتفاوض، بحيث لا يخرج أي طرف عن ذلك الإطار، ومنها على سبيل المثال: الالتزام بعدم الإفصاح عن هذا التفاهم.

رابعًا: المدة والإنهاء:

يجب أن يُعين وقت للإنهاء، فمذكرة التفاهم يجب أن يكون لها مدة معينة، كما يجب أن تتضمن أحكامًا لإنهاء المذكرة وتكون بإرادة الطرفين نظرًا لطبيعة مذكرة التفاهم.

خامسًا: بنود السِّريّة أو عدم الإفصاح:

وهذا الجزء من أهم النقاط في مذكرات التفاهم، بل إن كثيرًا من المستثمرين يلجأون لتوقيع اتفاقية عدم الإفصاح دون توقيع مذكرة التفاهم، وذلك لأهمية المعلومات التي قد تصل للطرفين خلال عمليات التفاوض، ويمكن سرد تلك البنود في مذكرة التفاهم لكونها أكثر شمولية دون الحاجة لتوقيع اتفاقية عدم الإفصاح، ويجب أن تحوي تلك البنود طريقة التعامل مع المعلومات السرية والحساسة وتعريف هذه المعلومات مع الالتزام بعدم الإفصاح عنها وحماية الملكية.

سادسًا: القانون الحاكم وآلية حل النزاع:

قد يُتصور عدم حدوث نزاعات في تفسير مذكرات التفاهم، لكن أحيانًا يفهم بعض الأطراف أن مذكرة التفاهم فيها إلزام في بنود معينة أو يكون هناك خلاف أو عدم التزام ببنود السريّة، ومن هنا يجب صراحة تحديد القانون الذي تخضع له المذكرة وطريقة حل النزاع، فعلى سبيل المثال: ينصّ المتعاقدون على أن المذكرة تابعة للأحكام والأنظمة في المملكة العربية السعودية وتختص المحاكم المختصة بمدينة الرياض بالفصل في أي نزاعات قد تنشأ نظير هذه المذكرة.

سابعًا: وجود نص صريح يوضح عدم إلزامية المذكرة:

ننصح بوجود نص صريح يبيّن عدم إلزامية المذكرة بوجه عام، حيث إن المذكرة توفر إطارًا للتعاون أو التفاهم، فمن الواجب الاعتراف بطبيعتها غير الملزمة، وذلك لأن المذكرة لا تنشئ التزامًا قابلًا للتنفيذ قانونيًا، ويجب على الأطراف أن لا يتعاملوا معها على أنها بديل عن العقد الرسمي أيًّا كان شكله، وسقوط هذا النص الصريح من المذكرة قد يؤدي إلى سوء فهم حول طبيعة المذكرة ويحول التفاهم إلى نزاع.

وأخيرًا، قبل أن يتفق الأطراف على بناء مذكرة تفاهم يجب مراجعة تلك الوثيقة مراجعة قانونية شاملة، وهذا النظر القانوني يشمل الشروط والأحكام وقابلية تنفيذ بعض البنود والتأكد من إرادة الطرفين وفهمهم لتلك الوثيقة وأن يتوافق ذلك مع قوانين المملكة العربية السعودية، ومن هنا فتوفر مراجعة قانونية شاملة لذلك التفاهم هو أول خطوة يخطوها المستثمر قبل الدخول في أي اتفاق أو تفاهم مكتوب.

وفي مجال الاستثمار نرى أن مذكرة التفاهم من أنسب الحلول في المفاوضات الاستثمارية، بشرط أن تصاغ صياغة احترافية مُعِينة للتوصل إلى اتفاق رسمي، ومن وجهة نظر قانونية توفر المذكرة إطارًا منظمًا للمفاوضات، وذلك أنها تُظهر النيات والتوقعات وتُسهل من صياغة الاتفاقيات المستقبلية التي قد تنشأ نتيجة ذلك التفاهم، كما تخوّل المذكرة أصحاب المصلحة من حسن التصرف والتعامل مع تعقيدات المفاوضات الاستثمارية بثقة ووضوح.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى