تمثّل الوساطة تحديًا كبيرًا للشركات الناشئة، وذلك لأنها تكون في أول نشأتها صغيرة الحجم ومحدودة النطاق والموارد، بخلاف الشركات المتوسطة أو الكبيرة التي تتجاوز قيمتها 10 ملايين ويمكنها أن تطرح أسهمها للعموم، سواء عبر السوق الموازية “نمو” أو سوق الأسهم الرئيسية “تاسي”، فهي تملك القدرة على إدخال الشركات المالية المُرخصة لإجراء عمليات الوساطة بينها وبين المستثمرين.
أما الشركات الصغيرة فعليها أن تفكر خارج الصندوق لجلب وسيط يوفق بين وجهات النظر بغية إنجاح عملية الاستثمار في الشركة، فعلى سبيل المثال: إذا رغبت شركة مساهمة مقفلة في جلب مستثمرين وقامت بتوسيط شخص للتفاوض حول ذلك فإن الشخص يعد وسيطًا بحكم القانون لكونه ينفذ أعمالًا يتوسط فيها بين الشركة والمستثمر، ويكون في غالب الأحيان مفوضًا بالوكالة أو موظفًا لدى الشركة للقيام بتلك الأعمال نيابة عنها، فهذه العلاقة إن لم تكن تعاقدية يحكمها عقد مبرم بين الطرفين – وهو الأفضل – فستحكمها المبادئ القانونية والفقهية عمومًا، ومن زاوية قانونية فإن الوسيط الذي يقوم بأعمال الوساطة في هذا الجانب عليه أن يلتزم بعدة التزامات، وسنذكر أهمها من وجهة نظرنا:
- الحصول على التفويض اللازم لتمثيل الشركة.
- بذل العناية اللازمة أثناء تمثيل الشركة.
- عدم التضليل أو التدليس بأي معلومات لأي طرف أثناء المفاوضات.
- عدم التعمد في إفشال الصفقة بغية الحصول على عمولات لم يُتفق عليها قبل مرحلة المفاوضات.
- الالتزام بالنطاق المحدد لإجراء عملية التفاوض وأن لا يتوسع الوسيط في أعمال لم يتم توكيله عليها.
- الالتزام بالحفاظ على معلومات الشركة التي ينطوي عليها طابع السرية.
- الالتزام بمبادئ عدم تضارب المصالح وعدم التوسط في أعمال لشركات منافسة.
هذه الالتزامات المذكورة ستكون على عاتق الوسيط أيًا كان مسماه ووضعه، والالتزام الأساسي الذي سيعكسها هو العلاقة التعاقدية بين الشركة والوسيط، فلا غنى عنها في الوساطة. ومما يعزز نجاح تلك العلاقة تحديد نطاق معين يعمل فيه الوسيط وفق موافقة وتفويض الشركة، وكلما كان النطاق واضحًا ومحددًا سهل على الوسيط والشركة إنجاح عمليات التفاوض ومنع أي مشكلات قانونية قد تحدث قبل أو خلال أو بعد عملية التفاوض.
فلا بد للشركات الصغيرة أن تراعي تلك العلاقة التعاقدية وتضع معايير لها عبر عقد يبرم بين الطرفين بعد أن يبرز كل طرف وجهة نظره، ومن الخطأ أن تكون عقود الوساطة إذعانية كما نرى في الشركات المالية، وذلك لأن الوسطاء الأفراد يختلف أحدهما عن الآخر، فمنهم من يمتلك المهارات الكافية، فالوسيط الماهر مثلًا يمكن أن تضبط علاقته التعاقدية مع الشركة ليكون عقده عقد عمل، والوسيط في مجال معين يمكن أن يضبط عقده بأن يكون استشاريًا إذا كان في الأصل مستشارًا ماليًا يجيد التعامل مع الأوراق المالية فيقدم الدعم والمساندة للشركة لحين إنجاح تلك الصفقات.
ولا بد في كل عقد من تمثيل إرادة كل طرف وأن يكون كلا الطرفين على علم بكافة بنوده حتى تنجح عملية الوساطة، فالاستثمار في الشركات الناشئة لن يكون سريعًا ومحددًا بوقت معين، بل إن المرونة ستكون حاضرة في هذا النوع من الاستثمار، ولذلك فإن ضبط العلاقة التعاقدية في مسائل الوساطة هو أمر أساسي لضمان نجاح عمليات الوساطة للاستثمار في الشركات الناشئة.
إذن على الشركات الناشئة أن تضبط علاقتها مع الوسطاء بعقد محدد لإبرام صفقة بعينها أو لجذب مستثمر بعينه، وأن لا تترك التعامل مبنيًا على الثقة أو الوعد بنسبة مقابل التوسط لجلب مستثمرين، لأن مثل هذه الممارسات لن تكون ضامنة لحفظ حقوق الطرفين عند التفاوض بل سيتخللها عدة أمور يجب ربطها وحصرها بعقد محدد، فربما سيحصل الوسيط على معلومات قد ينطوي عليها طابع السرية، وبدون وجود عقد لن تتمكن الشركة من مساءلة الوسيط أو محاسبته إذا سرب تلك المعلومات التي قد تتسبب بضرر جسيم على الشركة.
وقد أشرنا آنفًا إلى ضرورة أن يكون العمل محصورًا في نطاق واضح، وهذا لن يتوفر إلا بصياغة عقد يضبط نطاق العمل بين الوسيط والشركة بحيث يحدد ذلك النطاق صراحة ويوقع عليه الطرفان مباشرة، ومن منافع وجود علاقة تعاقدية واضحة (عقد بين الوسيط والشركة) أنها تعزز حوكمة الشركات وترفع مستوى الالتزام، وأيضًا ترفع مستوى العمل المؤسسي وتحفظ حقوق كافة الأطراف، وبعبارة موجزة نقول: وجود علاقة تعاقدية واضحة أمر جوهري وضروري للشركة الناشئة التي تعين وسيطًا لجلب مستثمرين لها.
–
شارك بإعداد المقال المحامي عبدالرحمن الشريم