خلال الفترة من 2013 وحتى اليوم قمت بإجراء العديد من اللقاءات والحوارات مع مؤسسي الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، استمعت فيها لقصص تأسيس شركاتهم وما هي المصاعب والتحديات التي واجهتهم ثم كيف تغلبوا عليها.
أريد فتح نقاش وتسجيل ملاحظات تشرح مكامن الخلل والضعف في مجتمع ريادة الأعمال العربي.
لدينا في المنطقة قطاع ضخم يشكل مبعث التفاؤل للحكومات التي تريد خلق الوظائف وتحسين الاقتصاد وإشراك القطاع الخاص في عملية تصحيح الاقتصاد، ثم هنالك مدراء الصناديق والمحافظ الاستثمارية الباحثين عن الفرص، ولدينا رواد الأعمال الشغوفين المتطلعين إلى خلق شركات تساهم في تغيير مجتمعاتهم للأفضل، واخيراً هناك جيل من المواهب في مجالات مثل البرمجة والتصميم وغيرها تُريد الحصول على فرص أكبر.
كل هؤلاء يشكلون حجر الزاوية في منظومة عمل قطاع الشركات الناشئة، لكن عندما تقوم بتشريح هذا القطاع ستجد الكثير من الثغرات، والرغبات التي لم تُشبع، والمئات من الفرص الحقيقية لتأسيس مشاريع ناجحة لكنها لم تُستغل بعد.
إشباع هذه الرغبات سوف يسهم في تحسين منظومة العمل في القطاع بشكل كامل، لأن هذه الرغبات تشكل مصادر قلق لكل العاملين والمهتمين بقطاع الشركات الناشئة في المنطقة
وحتى تكتمل المنظومة لابد من تعزيز الاستثمارات في هذه المجالات الأربعة (التوظيف، الربط بين قطاعات المنظومة، التصريح عن الأرقام، تحليل بيانات السوق).
التوظيف
البحث عن المواهب هو مُعضلة الشركات الناشئة، تريد الشركات الناشئة مواهب في مجالات البرمجة والتصميم والتسويق والمبيعات، الثورة الكبيرة في مجال تأسيس الشركات غذت الطلب الكبير على المواهب الذي يقابله شح وندرة في المواهب!
حتى وإن وجدت المواهب ستجد أن أسعارهم مرتفعة جداً (وهذا مبدأ اقتصادي لا يمكنك تغييره)، كثرة الطلب مع قلة العرض يقابلها ارتفاع الأسعار.
لكن يمكنك الرجوع لأصل علم الاقتصاد ثم محاولة (إشباع رغبات السوق)، من خلال خلق شركات تكون مهمتها الأساسية هي خلق الوظائف للشركات B2B مما يعزز التبادل التجاري بين الشركات بعيد عن تدخل الحكومات وإجراءاتها الروتينية.
يمكن للحكومات أن تتدخل هنا من خلال (خلق حاضنات أعمال متخصصة في دعم الشركات التي تخلق وظائف لقطاع الشركات الناشئة)، بحيث تقدم لهم التمويل والتسهيلات. وتترك لها المجال لإصلاح السوق.
ليس سراً أن بعض الشركات في منطقة الخليج تلافت هذه المشكلة، مشكلة ندرة المواهب ومشكلة ارتفاع أسعار المبرمجين ولجأت إلى العمل مع مبرمجين في الهند ودول شرق أوروبا، ومنهم من فتح مكاتب في هذه الدول ووظف مبرمجين.
عندما يخبرك رائد الأعمال عن توسع أعمال الشركة ويقول: “لدينا مكاتب في الهند وشرق أوروبا”، هو يخبرك بطريقة غير مباشرة أن المواهب هنا قليلة أو سعرها مرتفع لدرجة أن كلفة مكتب في الهند وتوظيف بعض الموهوبين الهنود أرخص بكثير من هنا.
أمثلة ناجحة خلقت وظائف في مجالات ولبت الطلب المتزايد:
- برمج : حاولت خلق جيل من المبرمجين وإقامة معسكرات للتدريب.
- صبار: قامت بخلق وظائف للشركات العاملة في مجال المطاعم والمقاهي والمعارض التجارية.
الربط بين عناصر منظومة ريادة الأعمال
إليك أبرز النقاط التي يجب معرفتها عن القطاع:
- المواهب؛ أبرز المناطق الأردن ومصر
- التمويل والاستثمار والسوق الاستهلاكية؛ تأتي من السعودية
- الإعلام وتأسيس المكتب والانتشار، في مدينة دبي
- قوة مواهب تعمل بشكل فريلانسر، في فلسطين
- مستثمرين عالميين؛ نمو صيني في المنطقة على شكل متاجر الكترونية
- حكومات الخليج عقدت الأمل على هذا القطاع كأحد بدائل النفط.
- العوائل التجارية في منطقة الخليج رأت في القطاع فرص لتنويع الاستثمارات.
هنالك رواد أعمال أذكياء جداً في منطقتنا لكن من الصعب عليهم التعريف بأنفسهم وبناء عمل مع المهتمين، في المقابل هنالك مدراء صناديق يبحثون عن الفرص وفي حاجة لعقد الصفقات فوراً، ولدينا الكثير من المواهب مثلاً في مصر والأردن تحتاج لأن تسافر لهم حتى تعقد معهم الصفقات، حتى لو كنت تسكن في الرياض وتبحث عن مواهب في الرياض ستجد صعوبة في البحث عنهم.!
كيف تقوم بالربط بين كل هؤلاء مع بعض وفق المعطيات التالية: (أسئلة وتحديات من السوق)
- ينشط المصريون على شبكات اجتماعية لا ينشط عليها السعوديين.
- كيف يروج مبدع في صعيد مصر عن مشروعة لمستثمر في الخليج؟
- شركة ناشئة في السعودية تبحث عن مبرمج عربي بأي سعر كان.
- حاضنة أعمال تريد شركات ناشئة في مجالات محددة وغير متكررة.
- موقع إخباري في دبي يبحث عن قصة صحفية في ريادة الأعمال.
- كيف يحصل مبرمج فلسطيني على المقابل المالي من شركة تعمل في مصر؟
- تعجب: قاعدة بيانات للشركات الناشئة في الوطن العربي.
- استفهام: مواقع للنقاش الافتراضي، بعيداً عن الشبكات الاجتماعية، مجتمعات حسوب IO كمثال.
- هل هناك آلية تواصل واضحة تخلق جو تعاون بين أي ريادي أعمال أو موهوب أو مستثمر؟
- تذكير: بعض المؤتمرات كلفتها عاليه جداً قد تعيق وتمنع ريادي الأعمال من حضورها حتى وإن كانت مجانية هنالك أسباب أخرى لعدم الحضور (مؤسس الشركة الناشئة حالة عمل دائم). لذا علينا الانتباه لضرورة خلق مجتمعات نقاش تشكل نقاط دعم الملتقيات والمؤتمرات.
هذا الخليط من المجتمع العربي الريادي ليس هنالك موقع يجمع شتاتهم، نعم هنالك مؤتمرات على غرار عرب نت وغيرها، لكن بناء “مجتمع تقني افتراضي” شيء مهم جداً وسوف يساهم في خلق المزيد من الفرص وتعزيزها. وهذا ما نعمل على بنائه في جولة.
التصريح عن الأرقام
من علامات نضوج أي سوق هي معرفة بسيطة عن الأسعار، اليوم لدينا في قطاع الشركات الناشئة أزمة في السعر يعاني منها الأطراف الثلاثة المعنيين بالقطاع (المواهب، رائد الأعمال، الصناديق الاستثمارية)
- تريد المواهب الراغبة في دخول السوق معرفة الأسعار في مجالات البرمجة والتصميم والتسويق، حتى يكون ذلك حافزاً لهم على بناء أولى خطواتهم في السوق، وعلى ضوئها يمكنهم تسعير خدماتهم.
- يريد رائد الأعمال معرفة أسعار حقيقة عن تكاليف البرمجة والتصميم والتسويق، هل يلجأ للعمل مع شركات ناشئة B2B، أم هل يعتمد علي الفريلانسر، ثم أين اصلاً يجد فريلانسر لتوظيفهم، وما هي أسعارهم؟
أمثلة ناجحة:
- مستقل: يشكل مستقل بوابة المواهب في المنطقة العربية التي خلقت فرص العمل للمواهب، وساعدت الشركات على عقد الصفقات وتنفيذ أعمالها.
- أريد: بداية من الحكومات والوزارات في المنطقة ونهايةً بالشركات الناشئة، ساهم أريد في تقديم الحلول لهذه القطاعات.
تحليل بيانات السوق
دائماً في بداية الحوار لديّ سؤال لكل رائد أعمال؛ أسأله بشكل مباشر: ما الذي دفعك إلى إطلاق الشركة ما هي الأرقام التي أشعلت هذا الحماس بداخلك؟
غالبًا لا تخرج إجابتهم عن
- الاستشهاد بأرقام ودراسات وتحليلات أسواق خارج الوطن العربي، مثل السوق الأمريكي أو الأوروبي، ثم إسقاط هذه الأرقام على سوقنا المحلي والتجربة والقياس على ذلك، هذه التحليلات قد تُصيب في أسواق ومشاريع ضيقة لكنها إجمالاً ليست مقياس حقيقي عن سوقنا المحلي.
- الأرقام الأخرى تكون مصادرها الصحف الرسمية العربية، وهذه غالباً أر أنها ليست مقياس حقيقي لأنها لا تخضع لدراسات حقيقة والأمر مجرد أرقام تخمينية لا يمكن القياس عليها.
نعم لدينا شركات ناشئة كثيرة جداً مستعدة أن تدفع مقابل الحصول عن تحليلات ودراسات وأرقام حقيقية عن السوق. وقد ساعدت شركات مثل لوسيديا و كراود أنالايزر على خلق أدوات رصد من الشبكات الاجتماعية يمكنها خلق رؤية و تصور عن حجم السوق ويمكن استخدامها في التسويق.
ختاماً
مع تزايد نمو قطاع الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما تزال هنالك مجالات أعمال كبيرة وغير مستغلة بعد، وفي حاجة إلى حلول برمجية أكبر، وإلى تظافر الجهود بين الحكومات والصناديق الاستثمارية وريادي الأعمال والمواهب، حتى سيعود بالنفع على بيئة ريادة الأعمال عموماً.