تعاني العراق في العقدين الأخيرين من عديد المشاكل خاصة السياسية، التي أثرت بدورها على تطور وازدهار البلد والسير مع أحدث الاتجاهات التقنية، هذا الأمر انعكس بشكل كبير على قطاع الشركات الناشئة والاستثمار الجريء لسنوات بحيث جعل العراق تتأخر أكثر من اللازم عن اللحاق بركب الدول المجاورة. فحتى عام 2017 كان هناك نحو 48.3% من السكان يتمتعون بخدمة الإنترنت وهي نسبة متدنية مقارنة بدول المنطقة، إلا أن هذه النسبة بدأت بالتحسن مؤخرًا ما ساعد في دفع عجلة الابتكارات التقنية وظهور شركات ناشئة جديدة للاستفادة من حجم السوق الذي تزيد كثافته عن 40 مليون نسمة.
وقد كان لهذا التوجه الأثر الأكبر على ظهور تطبيقات ومنصات التجارة الإلكترونية وخدمات التوصيل، خاصة أن وباء كورونا فرض الحاجة لمثل هذه الخدمات، ولعل المثل القائل “مصائب قوم عند قوم فوائد” كان حقيقيًا بالنسبة لقطاع ريادة الأعمال في العراق، فرغم معاناة القطاعات الأخرى بسبب الجائحة كان قطاع ريادة الأعمال والشركات الناشئة ينتظر هذه الفرصة لاستغلالها والانطلاق بعيدًا نحو مستقبل مشرق.
وظهرت بذلك شركات ناشئة عراقية تسعى لاستغلال الفرص المتاحة؛ منها تطبيقات التوصيل وعلى رأسها تيب توب “TipTop” الذي استطاع كسر الحواجز وجمع استثمارات بقيمة 5 ملايين دولار أمريكي في جولة استثمارية (Seed)، وهي أكبر جولة استثمارية من حيث القيمة في العراق وواحدة من أكبر جولات هذه الفئة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وقد جمعتنا الفرص حسن السعود، الذي أسس التطبيق رفقة كرم اكسوي، للحديث عن هذا الإنجاز ومستقبل التطبيق المختص بالتجارة الإلكترونية السريعة وخدمات التوصيل، وتسليط الضوء أكثر على الشركات الناشئة والاستثمار الجريء في العراق.
أفضل الإنجازات تخرج من تحت الأنقاض
يتحدث حسن السعود عن تأسيس التطبيق، بالقول: “عند بداية جائحة كورونا كان من الواضح حجم الأثر الذي ستتركه من بداية أيامها وكان من أهم هذه التغييرات، توجه كل العالم لكل ما هو أونلاين”.
يرى السعود أن الجائحة رغم ما تسببت به من مشاكل في كافة القطاعات إلا أنها ساهمت بشكل هائل في التحول الرقمي وتبني التقنيات، ويعلق على ذلك بالقول: “إن الجائحة اختصرت سنوات من التطور اتجاه التجارة الالكترونية، فمع الإغلاقات على مستوى دول بأكملها كان من أفضل الحلول وأكثرها أمانًا وسرعة هو طلب البقالة والطعام أونلاين، وكانت فكرة تأسيس TipTop هي لمواكبة هذا التغيير السريع وإغلاق الفراغ الموجود بشكل واضح بالسوق العراقي وكانت البداية من أربيل”.
وكونه سوقًا له خصوصياته، كانت التحديات مختلفة لفريق TipTop وتحتاج عمل أكبر مقارنة مع دول المنطقة، ويتحدث السعود عن ذلك قائلًا: “وجود التحديات باختلاف أنوعها وصعوبتها من المسلمات لأي شركة ناشئة، لا شك أننا واجهنا في TipTop الكثير من التحديات حيث أن السوق العراقي يعتبر سوق فتي لا يمتلك البنية التحتية الموجودة في الدول المتقدمة مع الافتقار لوجود قوانين تنظيمية لسير العمل/ ولكننا في TipTop بفضل فهمنا العميق لطبيعة العراق والسوق العراقي وبالخبرة الكبيرة ل فريق العمل في مجال التوصيل والشركات الناشئة استطعنا تجاوز الكثير من التحديات”. ويضيف: “فن مواجهة التحديات هو من أهم الأسلحة لأي شركة ناشئة”.
نمو منتظر خلال السنوات المقبلة
من المتوقع أن تبلغ إيرادات سوق التجارة الإلكترونية 9.5 مليار دولار خلال 2022 وبنمو 17.7% على أساس سنوي حتى عام 2025، لتصل 15.5 مليار دولار تقريبًا. لكن رغم هذا النمو العام، يواجه قطاع توصيل الطعام نموًا متباينًا لكن بقيمة أقل من الفئات الأخرى لأسباب مختلفة بينها حداثة الاعتماد على التطبيقات في توصيل الطعام وتبني النموذج التقليدي أكثر، حيث سيصل حجم السوق إلى 702 مليون دولار أمريكي في 2022 فقط.
واجه حسن السعود وفريقه هذا الأمر منذ تأسيسهم للتطبيق بالرغم من توفير الجائحة لسنوات من العمل لتسريع تبني التقنية، ويقول عن ذلك: “كما ذكرت فإن الجائحة اختصرت اشواطًا من الاتجاه للتجارة الالكترونية، فمع معارضة الطلب أونلاين من قبل الكثيرين إلا أنهم وجدوا أنفسهم أمام خيارات محدودة، وعندما قاموا بتجربة التطبيقات كان من الواضح لهم أن استخدام تطبيق مثل TipTop، الذي يدعم ثلاث لغات مع خيارات متنوعة من المطاعم والبقالة ومع سهولة الاستخدام والدعم الفني على مدار الساعة عن طريق المحادثة المباشرة من داخل التطبيق أو عن طريق الاتصال، هو الخيار الأفضل لهم. ومع التجربة الفريدة وجودة الخدمة والمتابعة وسرعة التوصيل نرى أنه مع عودة الحياة لجزء مما كانت عليه سابقًا في بعض الفترات إلا أن الطلب عن طريق التطبيقات لازال يزدهر في كافة الأماكن سواء لاحتياجات البقالة أو الطعام”.
ويعود استمرار اعتماد المطاعم على التطبيقات ما بعد الجائحة، لأنها كانت الداعم الأساسي في فترة الاغلاق حيث اتجهت كل المطاعم من دون استثناء إلى الاشتراك بالتطبيقات بسبب القيود التي فرضت من قبل الحكومات وهذا السبب سلط الضوء على أهمية تقديم هذه الخدمات لزبائنهم في حال وجود الجائحة من عدمها، وفقًا للسعود.
فرصة لدفع عجلة الاقتصاد بالاستفادة من التحول الرقمي
تستحوذ التجارة الإلكترونية على 11.6% من السوق العراقية في الوقت الحالي وفقًا لأرقام Statista، وهذه الأرقام متوقع أن تصل 16.4% من حجم السوق التجاري بحلول 2025. فيما يتوقع أن يشهد سوق توصيل الطعام نموًا على أساس سنوي بنسبة 28.10% بين 2022 و2025، وسيرتفع حجم السوق بذلك من 702 مليون إلى 1.5 مليار دولار أمريكي تقريبًا في 2025، وربما أكثر مع ظهور تطبيقات أخرى في السوق.
وبحديثه عن قطاع توصيل الطعام، ورؤيته لحجم المنافسة خلال السنوات المقبلة، يقول السعود: “أصبح واضحًا للجميع التطور السريع الذي حققه هدا المجال في جميع أنحاء العالم في العام 2021، حيث أننا رأينا شركات أصبحت رائدة ب فترة قياسية في أسواق اعتقد البعض أنها مشبعة إلى حد ما وأن المنافسة بها صعبة، ولكن رأينا الكثير من الأمثلة كغوريلا الذي استطاع بسنة واحدة أن يصبح يونيكورن، ولعل أهم الأسباب هو التغير الكبير الذي حصل في العالم بسبب الجائحة”.
يحتاج الاقتصاد العراقي لدفعات مبتكرة للاستفادة من الإمكانيات غير المستغلة في البلاد، ولعل التحول الرقمي السبيل الأفضل لتوفير دفعة قوية للسوق. فمن وجهة نظر حسن السعود أن العراق من الأسواق الفتية التي لاتزال حجم الفرص فيها كبيرة والفراغ الموجود في السوق أيضًا كبير. ويقول السعود: “نوقع لسوق العراق أن يزدهر في سنة 2022 خصوصًا بعد حصولنا على أكبر تمويل في العراق على الاطلاق. ستكون المنافسة على أشدها، ولعل أكبر المستفيدين هو الزبون العراقي وقطاع العمل والقطاع الاقتصادي في العراق، حيث أن وجود الشركات وتوسعها يفتح العديد من فرص العمل أمام الشباب العراقي”.
الاستثمار الجريء يدفع إلى الأمام
الاستثمار الجريء يعتبر حديث العهد بالنسبة للشركات الناشئة في العراق، فهي فرصة بحاجة لمن يستغلها لكنها في نفس الوقت تعاني من قلة المستثمرين من هذا النوع بسبب ضعف تبني التقنية وظهور التطبيقات المختلفة في السنوات الماضية ووجود العديد من المشاكل السياسية والأمني التي تنعكس على الحال الاقتصادية، وهو ما في طريقه للتغير بشكل ملحوظ.
يصف مؤسس تطبيق TipTop هذا الأمر، بقوله: “لطالما كانت النظرة إلى العراق أنه البلد غير المستقر سياسيًا أو اقتصاديًا أو أمنيًا، ولكن الشركات الناشئة وحجم الفرصة الموجودة في السوق ستغير هذه النظرة بشكل سريع خلال العام 2022. تبدأ الاستثمارات الخارجية الجريئة عندما ترى شركات الاستثمار أو المستثمرين أن المستثمر العراقي مبادر وجريء، وشراكتنا مع شركة كورك كواحدة من أكبر شركات الاتصالات في العراق، إشارة جدًا قوية لتطور الاستثمار الجريء في العراق وسيظل هذا الاستثمار بحجمه ووقته وطبيعته مع كورك علامة فارقة في النظام البيئي للاستثمار والشركات الناشئة العراقية”.
ويرى السعود أن شركته TipTop فتحت صفحة جديدة وبداية للاستثمار الجريء في التطبيقات المحلية والثقة بالشباب في العراق، وهو ما أكده حجم الجولة الاستثمارية التي أغلقتها الشركة قبل أيام.
ويتوقع السعود أن يحمل العام الجاري الكثير للشركات الناشئة في العراق بداية من شركته، ويعقب على ذلك بقوله: “نتطلع دائمًا لنكون السباقين في هذا على مستوى السوق العراقي كشركة بدأت خدماتها بالعراق وخططنا للمستقبل. أيضًا عدد المستثمرين الذين تواصلوا معنا للجولة الاستثمارية القادمة من الآن، كلها دلائل على أن سنة 2022 تحمل الكثير لـ TipTop والسوق العراقي وقطاع التجارة الالكترونية”.
رؤية للتوسع خارج العراق
فيما لايزال قطاع الشركات الناشئة وتطبيقات التوصيل في مراحله المبكرة في العراق، إلا أن فكرة التوسع لم تستبعد خلال السنوات المقبلة لهذه الشركات وفقًا لمؤسس TipTop الشريك، حيث يرى أن التوسع لكافة العراق هو الخطوة السابقة للتوجه نحو أسواق أخرى خاصة في منطقة الخليج.
ويقول عن ذلك: “أربيل والعراق هي البداية. لدينا خطط للتوسع بعدة مدن بالعراق مع طرح عدة خدمات لتغطية احتياجات السوق العراقي أيضًا، كما لدينا خطط واضحة للتوسع في الخليج العربي خلال الفترة القريبة القادمة، وبالتأكيد خلال زمن قياسي وبهذه الحالة نكون أول تطبيق استطاع الخروج من العراق”.
وفيما يوفر تطبيق TipTop خدمات التوصيل للمطاعم خلال أقل من 45 دقيقة وتوصيل البقالة خلال فترة لا تتجاوز 20 دقيقة كواحدة من شركات التجارة الإلكترونية السريعة في المنطقة، يعمل الفريق حاليًا على التوسع أكثر من خلال تقديم خدمات توصيل المياه بكميات كبيرة للسكان في مناطق انتشار التطبيق لاستغلال الفرصة المتاحة من هذا السوق.