مقالات

أهمية السجل القضائي النظيف للشركات

في عالم المال والأعمال السمعة الجيدة قيمة جوهرية وركيزة أساسية لضمان استمرارية نمو الأعمال، ويمكن أن تتأثر سمعة الشركة ومكانتها في السوق تأثرًا بالغًا حسب سجلها القضائي، حيث إن السجل القضائي النظيف يساعد في بناء الثقة ورفع المصداقية للشركات ويعزز من النظرة الإيجابية نحوها، وسنسلط الضوء هنا على أهمية التاريخ القضائي للشركات ومدى انعكاسه على أداءها.

يمكن القول بأن السجل القضائي النظيف هو بمثابة شهادة على التزام الشركة بالقوانين وإجراء عملياتها بطريقة مهنية وأخلاقية ونظامية بعيدًا عن أي معارك قضائية، وينعكس ذلك الالتزام على مصداقية العملاء وثقة المستثمرين والشركاء والموظفين داخل الشركة، وهو ما يؤثر تباعًا في جلب المستثمرين أو الموظفين أو الشركاء الجدد، فالسمعة هي المحك الأول قبل الدخول في أي تعامل سواء كان استثماريًا أو وظيفيًا، وهذا فيه دلالة ظاهرة على أن السمعة الجيدة ستساهم في بناء أرض خصبة للنمو الاستثماري والوظيفي داخل الشركة وخارجها.

وعلى العكس من ذلك، إذا رُفِعت قضايا قانونية ضد الشركة فإن ذلك يؤدي إلى أعباء تشغيلية إضافية، حيث إن المثول أمام المحكمة والاستشارات القانونية والمفاوضات خلال مدة التقاضي تهدر الكثير من الوقت والمال والموارد البشرية بعيدًا عن طموحات وأعمال الشركة الأساسية للنمو والتوسع، كما أن السجل القضائي النظيف يضمن تركيز الشركة على النمو والابتكار وممارسة الأعمال دون أي معوقات قانونية غير ضرورية.

إضافة إلى ذلك فإن للنزاع القضائي تكاليف مالية مؤثرة على الشركة، حيث يمكن أن تؤدي التكاليف القضائية والتسويات والغرامات وتعويضات الأضرار وأتعاب المحاماة إلى استنزاف موارد الشركة، مما يؤثر على استقرارها المالي ونموها المستقبلي، لذا يساعد السجل القضائي النظيف في تجنب تلك الأعباء المالية، بل ويعزز ملاءة الشركة وقدرتها، ويحميها من أي هدر غير متوقع.

فبيئة الأعمال في وقتنا الحالي تشهد تنافسًا عاليًا، ولا شك بأن السمعة الجيدة تعد ميزة تنافسية مقارنة بالشركات التي لديها نزاعات قانونية أو لديها تاريخ حافل بالقضايا، ففي الغالب سيختار العملاء والشركاء شركة تتمتع بسمعة جيدة في الامتثال القانوني والنزاهة، وهذه الميزة لا يمتلكها إلا الشركات ذات السجل القضائي النظيف.

ويؤيد ذلك أن النظرة للشركة وقيمة العلامة التجارية قد تتغير بسبب وجود قضايا قانونية، فأخبار القضايا تنتشر بسرعة، وقد يلحق الخبر السيء ضررًا بالعلامة التجارية للشركة، بيد أن الحفاظ على سجل قضائي نظيف يعزز من موثوقية تلك العلامة لدى المستثمرين والعملاء مما يعكس صورة حسنة لمكانة الشركة وقدرتها على النمو.

ومن جهة أخرى، فإن الشركات الائتمانية بالمملكة أصبحت تأخذ بعين الملاحظة عدد القضايا السابقة أو اللاحقة قبل التصنيف الائتماني للشركة، وهذا له أثر مباشر في الحصول على فرص تمويلية أو عمليات تخارج الكثير من المستثمرين بسبب التخوف من نتائج تلك القضايا، ومع التقدم التقني الذي تشهده وزارة العدل فقد أصبح من السهل العثور على السجل القضائي وتداوله بين الشركات الائتمانية، فعلى سبيل المثال: قد يؤثر عدد طلبات التنفيذ القضائية للشركة في تعثر حصولها على تمويل من أحد البنوك المحلية.

ولعل أبرز الحلول المقترحة لوضع سجل خال من القضايا أو على الأقل تقليل عدد القضايا، هو اللجوء إلى التسوية الودية، فالتسوية الودية خيار مناسب للشركات لعدم تشويه سمعتها القضائية، وكذلك تكون التسوية الودية في كثير من الأوقات أقل من التكاليف القضائية وهي تكاليف الترافع التي يطالب بها المحامون، ولعل منصة “تراضي” أحد أبرز تلك الحلول للوصول إلى التسوية الودية، حيث واكبت وزارة العدل هذا الاحتياج عبر وضع منصة إلكترونية يمكن فيها حل الموضوع بتفاهم ودي قبل اللجوء للقضاء.

ومن الحلول المقترحة التي كانت تطبق على نحو واسع خارج المملكة، وأصبحت تطبق الآن في المملكة هو خيار التحكيم، حيث يتميز التحكيم بالسرية إذا طلب أطراف النزاع ذلك، ويمكن للشركات أن تلجأ إليه دون اللجوء للقضاء، وهذا ما تقوم به كثير من الشركات وذلك لأنه خيار يوفر الجهد والوقت ويحفظ سمعة الشركة.

أما الحل الأساس والجوهري فهو الوقاية القانونية، والوقاية خيرٌ من العلاج. فعلى الشركات التحوط من الدخول في أي نزاعات قانونية وذلك بحرصها وانضباطها في الالتزام بالأنظمة والقوانين، وعليها أن تصيغ عقودها صياغة مُحكمة وسليمة، وأن تعزز من كفاءة ومتانة وضعها القانوني وتضبط علاقاتها الداخلية والخارجية.

 


*قام فريق إياس بإعداد وتدقيق ومراجعة المقال بمشاركة المحامي عبد الرحمن الشريم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى