مقالات

كيف يدرس المستثمر الملائكي المحترف الشركات التقنية؟

كنت قد شرحت في مقال سابق عن استراتيجيات الاستثمار الجريء، والآن بعد أن قمت بالاستراتيجية الخاصة بك، أصبحت جاهزًا لاستقبال الفرص الاستثمارية بعد فلترة الفرص غير المتناسبة مع الاستراتيجية ومستعدًا لاستقبال الفرص التي تتماشى مع أطروحتك الاستثمارية، وسواء كنت مستثمرًا تابعًا أو استراتيجيًا، في كل الحالات من المهم أن تقوم بدراسة المشروع وعمل الفحص النافي للجهالة حتى لا تستثمر من غير وعي وتختار أفضل المشاريع.

الاستثمار الجريء مختلف كثيرًا عن الاستثمارات التقليدية، وذلك لأنها تتميز بعدم وجود أصول ملموسة وكل أصولها عبارة عن تقنيات تتيح للشركة الوصول لعدد كبير جدًا من العملاء أو العمليات أو الاثنين معًا، أما في الشركات التقليدية فهناك سعة وقدرات محدودة لاستقبال العملاء أو عدد العمليات. وفي العادة الشركات التقنية تستثمر في الخسارة للنمو ولذلك تجمع بعدة جولات الاستثمارية بهدف الحصول على أكبر قاعدة عملاء، وتوزيع الأرباح في هذه الشركات يسبب مخاطر عالية عليها لأنها قد تكبح فرص النمو لديها وبالمقابل لا يرتفع قيمة الشركة بالشكل المطلوب.

ولذلك الاستثمار الملائكي هو استثمار نمو وليس استثمار عوائد، فهنا تبحث عن تضخم قيمة رأس المال الذي استثمرته. ولذلك المستثمرون المحترفون في المجال يقومون بدراسة أمور مختلفة عن الشركات التقليدية بالذات في المراحل المبكرة.

النقاط التي يركز فيها المستثمر الملائكي هي: الفريق – فكرة المشروع – حجم السوق – الإنجازات – ملاءمتها مع التوجهات – نوعية المستثمرين الحاليين. والنقاط الأربع الأولى هي ما تُعلم في المعاهد المتخصصة في مجال التقنية مثل ستانفورد وغيرها، أما النقطتان الأخيرتان أضفتها من عندي لأني أعتقد بدونها سيكون هناك خلل كبير كما سأقوم بتوضيحه في المقال.

ملاحظة لا يغني هذا المقال عن الرجوع للأشخاص المتخصصين في الأمور القانونية أو المالية، هنا فقط شرح عام، ولكن يجب الرجوع إلى المختصين. وأيضًا قد ينقص المقال بعض المعلومات التي قد تغيبت عني أو تطورت استراتيجيات جديدة مع الزمن فهذا العلم يعتبر جديد نسبيًا.

6 أمور تهم المستثمر الملائكي المحترف:

لا يوجد ترتيب معين لها، ولكن أجد شخصيًا أن أهم أمران هما الفريق وحجم السوق فقد يكتفي البعض بهذين الأمرين، لكن من الأفضل أن نفصل في الجميع:

الفريق

وهو أهم عنصر، فوجود كل العوامل بدون فريق مميز يعني مصير المشروع للفشل، لأن الفريق هو القادر على تحقيق الرؤية وليس الموظفين، وقادر على تغيير مسار الشركة للأفضل حتى لو كان نموذج العمل سيء.

وإذا كان الفريق مميز جدًا، فكثير من الأحيان نميل للاستثمار من غير العودة لباقي الأمور لأنه غالبًا سينجح وأغلب المستثمرين إن لم يكن جميعهم يعطي الفريق الوزن الأعلى عند التحليل، ولكن هذا النوع من الرياديين صعب الحصول على حصص معه إلا عن طريق الصناديق التي لها سمعة مميزة أو إذا كانت لديك علاقة مع المستثمرين الملائكيين المحترفين، لأنهم قد يتيحوا لك الفرصة عن صناديق المساهمة لديهم. لكن بحكم أن الوصول لهذا النوع من الفرق يحتاج وقت طويل وفرص الاستثمار فيها قليلة، وقد يكون هناك فرق جديدة في المجال فيهم علامات الرياديين الناجحين وهنا نبحث عن عدة أمور فيهم ومنها:

  • الفريق الذي أسس مشروع تقني سابق ونجح فيه: وهنا أركز على أن يكون نجاحه في مشروع تقني وليس في مشروع تقليدي كونهما مختلفان تمامًا، فاللاعب الذي نجح في كرة القدم لا يعني أن يكون ناجحًا في رياضة كرة السلة فالقواعد مختلفة، وهذا بسبب تجاوزه عقبات كثيرة جدًا ولديه من الخبرات تختصر سنين من الوقت، وأيضًا له خبرة عالية في جذب الصناديق والمستثمرين المحترفين، ولديه خبرة في التسعير والتخطيط للتخارج، والأهم هو أنه يعرف المشاكل في السوق التي تحتاج إلى مشاريع لحلها.
  • الفريق الذي كان ضمن فريق مشروع تقني متقدم وناجح: لكن من المهم أن يكون عملهم في مراكز تنفيذية ومراكز اتخاذ قرار أو فريق إدارة منتج، وليس في وظائف روتينية أو هامشية. مثال ذلك أن يكون قد عمل كرئيس منتج التمويل لتطبيق نون لمدة 5 سنوات، والآن يعمل على مشروع في تمويل الشركات التقنية، فهنا يكون تعلم وكسب خبرات كثيرة من مشروع ناجح.
  • الميزة غير العادة Unfair Advantage: والفكرة هنا أن يملك الريادي خبرات وعلاقات كبيرة في هذا المجال أو يكون من أصحاب الثروات العالية مما يجعل العقبات عنده أقل بكثير من غيره في السوق، قد لا يعجب البعض من الرياديين هذه الفكرة واتفهم ذلك جدًا، ولكن في الاستثمار دائمًا يبحث المستثمر عما يخفف عليه المخاطرة قدر المستطاع.
  • أن يكون الفريق متكامل ولا ينقصه عضو أساسي في المشروع: وفي العادة نقصد نوعين من الخبرات لدى الشركاء المؤسسين، الشريك الذي عنده خبرة في مجال الأعمال المتخصصة لهذا المشروع وغالبًا يكون الرئيس التنفيذي أو العمليات والشريك التقني الذي يفهم في التقنية، بدون هذان العنصران فالمشروع بلا أسس وقواعد متينة. والفريق غير المتكامل يعاني كثيرًا وهذا يعني حرق أموال في أماكن خاطئة ومصير المشروع للفشل في أغلب الأحيان. وبالكثير من الأحيان ما يخطئ البعض بالاستهانة في الشريك المؤسس التقني ظنًا أنه قد يستعين بشركة خارجية وهذا الشيء سيء جدًا لأنك تضع أهم عنصر في المشروع بيد غيرك.
  • أن يتملك الفريق الأساسي الحصص الأعلى في الشركة: وهذا يكون في المراحل المبكرة، نحن هنا في مرحلة جدًا مبكرة ويهمنا أن يملك الفريق المؤسس الذي يحمل الخبرات الأساسية للمشروع الحصة الأعلى في المشروع، وذلك لبقاء الشغف لديهم في التعامل مع التحديات الكبيرة أمامهم وإن كان أغلب الحصص للمستثمرين فهنا مؤشر خطير جدًا وقد يتركوا المشروع للمستثمرين ويبدأوا بمشروع آخر، وبطبيعة الحال كمستثمر ليس لديك الرغبة في ترك أعمالك لمواجهة أسواق جديدة عليك.
  • عقلية الفريق: بعض الرياديين له عقلية الموظف وهذا أخطر نموذج وقد ينغر المستثمر بكمية معلوماته الإدارية التي تنطبق على الوظيفة وليست على ريادة الأعمال. كمستثمر من المهم أن تعرف عقلية الفريق الذي أمامك، هل الفريق ضعيف أم قوي؟ هل يعرف الفريق مستوى التحديات أمامه؟ هل هو عاطل عن العمل فلجأ لريادة الأعمال لتغطية مصاريفه؟ أم أنه فعليًا اكتشف ثغرة في السوق ووجد الفرصة؟ هل يتنازل عن أسهمه بسهولة؟ أم يحافظ عليها لأنه يعلم قيمتها؟ فإذا وجدت ريادي لا يهمه الأسهم وتجد أنه مخصص لنفسه راتب عالي جدًا فهنا تعلم أن هناك مشكلة. والعكس صحيح،

بعض المستثمرين يفضلون وجود اتفاقية داخلية بين المؤسسين وما يسمى بـ Founders Agreement وهي تعاقد داخلي ألا يستحق المؤسسين حصصهم حتى يتم فترة الاستحقاق وتكون إما لمدة معينة أو تحقيق أرقام معينة حتى يستحق الشريك المؤسس حصصه وإذا لم يقدم شيئًا للشركة فيتم تسليم ما تبقى من الحصص لشخص جديد يشغل محله.

حجم السوق:

يوجد لدينا مثل شعبي يقول: “جود السوق ولا جود البضاعة ” وهذا ينطبق تمامًا على الاستثمار التقني.

حجم السوق ينقسم إلى 3 مقاييس واختصارها TAM وSAM وSOM وشرحها مطول جدًا، وسأحاول هنا أن اختصرها وأشرح ما هو المهم منها والفكرة منها وكيف نستفيد منها في التقييم. نبدأ بالتقسيم ثم اذكر مثال حتى يسهل الفهم:

  • إجمالي السوق المتاح Total Addressable Market (TAM):

يشير TAM إلى إجمالي طلب السوق على المنتج أو الخدمة المقدمة. وهو الحد الأقصى لمبلغ الإيرادات أو العملاء الذي يمكن أن تحققه الشركة من خلال بيع منتجها أو خدمتها في سوق معين. يعد هذا المقياس مهم لتقدير إمكانيات نمو هذا السوق وما يمكن الوصول له.

  • السوق الممكن خدمته Serviceable Addressable Market (SAM):

نظرًا للقيود المفروضة على نموذج عمل المشروع (مثل التخصص أو القيود الجغرافية)، ستواجه صعوبة في خدمة إجمالي السوق الذي يمكن التعامل معه. ولذلك يجب أن تحدد السوق الذي يمكن تخدمه من إجمالي السوق المتاح.

  • السوق المستهدف Serviceable Obtainable Market (SOM):

من الطبيعي ألا تكون محتكرًا لهذا السوق، وبذلك يوجد حجم معين مستهدف ستبدأ فيه قبل الانتقال للأسواق الأكبر. حتى لو كان لديك منافس واحد فقط، فسيظل من الصعب للغاية إقناع السوق بأكمله بشراء منتجك أو خدمتك فقط. لهذا السبب من المهم قياس السوق الذي يمكن الحصول عليه والذي يمكن خدمته لتقدير عدد العملاء الذين سيستفيدون بشكل واقعي من شراء منتجك أو خدمتك. يعد السوق القابل للخدمة مفيدًا للغاية للشركات لتحديد أهداف النمو على المدى القصير.

على سبيل المثال في حال كان المشروع في مجال أنظمة نقاط البيع: (الأرقام غير مستندة على بيانات صحيحة هي فقط لفهم المقاييس):

حجم السوق المنتجات المجالات النطاق الجغرافي عدد العملاء المبلغ التقديري لحجم السوق
TAM أنظمة الكاشير + أنظمة الدفع + الربط مع الأنظمة الأخرى جميع أسواق محلات التجزئة من مطاعم وملابس وغيرها دول الخليج مليون متجر 5 مليار دولار
SAM أنظمة الكاشير والمدفوعات مجال المطاعم والمقاهي دول الخليج 200 ألف متجر 1 مليار دولار
SOM أنظمة الكاشير مجال المطاعم والمقاهي السعودة ٥٠ ألف متجر (لا يملكون نظام سحابي) 300 مليون دولار

 

وهنا نفهم أن المشروع في المستقبل قد يزيد المنتجات لديه ويتوسع للخليج ولأسواق مشابهة وعدد عملاء أكبر، لكن في البداية يركز الفريق على مجال معين في نطاق جغرافي معين بمنتج واحد.

وأهمية ذلك في عدة أمور منها:

  • سقف المشروع والقدرة على التخارج: لو افترضنا أن ال TAM هو 10 ملايين دولار ودخلت في مشروع تقييمه مليون دولار، فهنا من المستحيل أن تتخارج وسيفشل الاستثمار والعكس إذا كان حجم السوق تريليون دولار ودخلت بتقييم 100 مليون دولار فهنا فرص التخارج أعلى، حتى لو التقييم أعلى بكثير من الأول.
  • جذب المستثمر: الأماكن التي تتواجد بها حركة مالية عالية وسوقها كبير يعني أن هناك الآلاف من المستثمرين يرغبون بالاستثمار وستجد مستثمرين في كل المراحل الاستثمارية وستكون هناك فرص كبيرة في التخارج في الأسواق الثانوية وجاذبية المشروع تكون أعلى بكثير، أما في الأسواق الصغيرة فقط تجد مستثمرين في مراحل مبكرة لكن من الصعب جدًا أن يجد الفريق مستثمرين في الجولات المستقبلية.
  • الاندماج والاستحواذ: بسبب كبر حجم السوق هناك عدد كبير من المشاريع التي تعمل في المجال وتخدم بعضها البعض، وهنا تجد أن المشاريع التي تكبر تستحوذ على المشاريع الأصغر وأحيانًا قد يكون المشروع سيئًا لكن الفريق مميز وله خبرات كبيرة في المجال فتأتي شركة أكبر تستحوذ على الشركة للاستحواذ على الفريق وهنا كمستثمر ستكون جزء من هذه العملية.

الإنجازات المحققة:

وهنا لا نتكلم عن أمور بديهية غير مفيدة مثل تسجيل العلامة التجارية أو وجود سجل تجاري فهذه الإنجازات لا تعتبر مهمة لأنها من المفترض أن تكون موجودة من الأساس،

الإنجازات قد تكون عدد العمليات أو دخل الشركة أو تحقيق مبيعات وغيرها من الأرقام. وهي مرحلة تسمى بالحد الأدنى من المنتج الأولي Minimum Viable Product (MVP).

والسبب هو أننا نرغب في معرفة هل يوجد قبول في السوق لهذا المنتج أو لا؟ وهو ما يسمى بملائمة المنتج للسوق Product Market Fit، وفي بعض الشركات قد يكون من الصعب جدًا تحقيق الفريق أرقام في البداية؛ كأن تكون الشركة في مجال التقنيات المالية ويتوجب الحصول على تراخيص وهذه التراخيص تحتاج فريق عمل محترف تكلفته عالية، وهنا قد تمر الشركة بعدة جولات وهي لم تحقق أرقام، وهنا نركز على تحليل الفريق وتاريخه، وهنا أيضًا يعطي الفريق تقييم منخفض نسبيًا لجذب المستثمرين الملائكيين ويكون لهم عوائد ضخمة جدًا وذلك لدخولهم في مراحل مبكرة وأخذ مخاطر عالية.

ولكن إذا كان الفريق جديد على الأسواق الناشئة التقنية، يفضل المستثمرين المحترفين انتظار الفريق حتى يحققوا أرقام والوصول إلى ملائمة السوق. وفي حال تم تحقيق أرقام ممتازة فهذا يعني أن الفريق مميز.

فكرة المشروع “المنتج” Product:

يجب أن تعرف أن المشروع قد يتغير مع الزمن بشكل كبير وهو ما يسمى بـ “تحور المشروع” أو Pivot ومهم أن يكون الفريق مرنًا في التحور ولكن أيضًا هنا عدة أمور يجب نلتفت لها وأهمها:

  • القابلية للتوسع Scalability:

أهم ميزة في المشاريع التقنية هي القابلية للتوسع، ومعنى القابلية للتوسع أنه من الصعب أن يملك المشروع أصول ملموسة، لأن اعتماده الكبير  على القدرات التقنية لاستقبال عدد ضخم من العمليات والدخل وتكرارها بدون تعامل بشري كبير أو نطاق جغرافي.

مثلا لو أن لدينا مطعمًا فهناك طاقة استيعابية في المساحة وعدد الطاولات للعملاء وأيضًا عدد محدود من الموظفين للتعامل مع العملاء، في المقابل لو أخذنا تطبيق انستغرام على سبيل المثال فهو قادر على التوسع العالمي من غير زيادة كبيرة في عدد الموظفين، وهنا فقط نحتاج إلى زيادة سعة الخوادم وهي أصول غير ملموسة. وكذلك بعض المشاريع قد لا تتوسع جغرافيًا بسهولة مثل مشاريع الـ B2B ولكن عملياتها اليومية تكون عالية مثل مشروع أنظمة البيع فودكس فهي توسعها تحتاج طاقة بشرية لكن العمليات اليومية للتاجر الواحد كبيرة وهنا يكون التوسع بالمنتجات المضمنة.

  • نموذج العمل أو نموذج الربح Business Model:

كيف يحقق أرباح على المدى البعيد، غير مهم أن يحقق الربح من البداية، فقد يبدأ بدون أرباح لهدف كسب السوق ثم يعمل على تحقيق الأرباح. ولذلك نرى قابلية المنتجات المحتملة مستقبلًا، مثل مشروع تويتر فهو لم يحقق أي أرباح في البداية مجرد مستخدمين بالملايين، لكن مستقبلًا انتجت عدة منتجات حققت مبيعات ضخمة مثل الاشتراك والإعلانات وغيرها. وهنا يوجد معاملين ندرسهم في العادة لا يسع شرحها وهو تكلفة الاستحواذ على العميل Customer Acquisition Cost, CAC والعائد من العميل في فترة الاستخدام Lifetime Value (LTV).

  • البيانات الضخمة:

دائما ما أكرر، مشروع بدون بيانات متكررة ونظيفة فهو مشروع أعمى وغالبًا مصيره الفشل، هناك معامل مهم ندرسه وهو معدل التكرار Retention Rate (RR)، وأراه أهم معدل موجود، لأن أهم ما في المشاريع التقنية تكرار دخول العميل للمنصة وهنا معامل آخر اسمه معامل الالتصاق Stickiness Rate وهو مدى تعلق المستخدم بالمشروع ونجد أكثر مشروع واضح للجميع هو التيك توك وهو الأفضل في استخدام كل الموارد التقنية لزيادة معدل RR، ولذلك هذا المشروع خطير ومؤثر جدًا، وأعطيك نموذجين للـ RR، مشروع “أ” لديه يوميًا 10 آلاف عملية 90% من مستخدميه مكررين ومشروع “ب” لديه 10 آلاف عملية يوميًا ولكن 5% منهم مكررين، فهنا الأرقام متساوية ولكن المشروع “أ” أفضل بمراحل من مشروع “ب”.

  • هل هذا مشروع تقني أم مشروع تقليدي يستخدم التقنية؟

يخلط بعض الرياديين بين مشروع تقني قابل للتوسع ويمشي في مسار الجولات الاستثمارية وبين مشروع تقليدي يستفيد من التقنية، مثال على ذلك أن يفتح الشخص متجر على منصة سلة لبيع ساعات، فهو مشروع تقليدي يستخدم التقنية ولكن سلة نفسها هي المشروع الذي ينطبق عليه مسار الجولات الاستثمار والتوسع وغيرها.

  • هل المشروع هو مشروع يستحق الاستثمار أم هو فقط أداة تقنية؟

بعض المشاريع التقنية تنطبق عليها جميع الشروط السابقة ولكنها بالنهاية هي فقط أداة صغيرة تكون مضمنة تحت التقنيات الكبيرة وهنا كثير من الرياديين لا يعرفون الفرق وهم فعليًا لا يحتاجون إلى مستثمر لأن المشروع صغير جدًا وقد يعمله الريادي بنفسه ويبيعه بنفسه بمليون دولار أما لو جذب استثمارات فهنا أصبح عليه حمل أن يصل بالمشروع لتقييمات صعب الوصول لها ويخسر الجميع.

  • استراتيجية الدخول للسوق Go to Market Strategy:

من الجيد أن تعرف عقلية الريادي في الدخول للسوق وهل كلامه منطقي أو فقط أحلام غير واقعية. ولا بأس بالأحلام الكبيرة لأننا في مجال الاستثمار الجريء. فلو أخذنا مثال تطبيق أوبر فكان لديهم تحديات تخالف قوانين وأنظمة بعض الولايات ومع ذلك تجاوزوها وغيروا القوانين من صالحهم وذلك لحاجة السوق، لكن أيضًا يجب أن يعرف الريادي ما هي المساحة التي لديه، وأن يغامر ولا يقامر.

  • مستوى صعوبة المنافسة في المنتج:

بعض المنتجات من السهل منافستها في حال مُولت بشكل كبير مثل شركات التوصيل وغالبًا الشركات التي تتعامل مع العميل النهائي B2C، أما المنتجات التي تخدم الشركات ففي العادة يصعب منافستها مثل شركات أنظمة نقاط البيع وأنظمة الـ SaaS عمومًا وذلك لأن صاحب العمل تعود على النظام وصعب أن يحول كل المعلومات لنظام آخر. وبعض المستثمرين يفضلون الأول والبعض يفضل الآخر وكل منها له مميزات وعيوب.

نوعية المستثمرين:

وأجد أن البعض لا يعطي وزنًا عاليًا لهذا النوع من التحليل أو قد لا يراه مهمًا بالذات مع وجود الفريق المتكامل، لكن أيضًا قد يراه البعض مهم في أن وجود مستثمرون سيئون أو لهم سمعة سيئة في السوق قد يؤثر سلبًا على الجولات القادمة أو على أداء الفريق عمومًا. وكذلك من ناحية أخرى لدى بعض المستثمرين سمعة ممتازة في السوق من ملائكيين محترفين أو صناديق ويكونوا جاذبيين لرؤوس الأموال الكبيرة في الجولات المستقبلية. ولو أخذنا كمثال 3 مشاريع متنافسة؛ وفي المشروع الأول مستثمرين سيئ السمعة وفي الثاني مستثمرين تقليدين غير مضرين وغير مفيدين، ومشروع ثالث معه مستثمرين استراتيجيين ومفيدين، غالبًا سيكون نسب النجاح أعلى في الثالث ثم الثاني وفي الأخير المشروع الأول.

ووجودك ضمن مجموعة مستثمرين محترفين يخفف المخاطرة كثيرًا، وهنا نقطة مهمة فلا يعني أن المستثمرين المحترفون يشاركون معك الفرص دائمًا، لذا يجب عليك أن تجري فحص ودراسة نهائية للمشاريع لأنه قد لا يتناسب المشروع مع استراتيجيتك.

توجهات الدولة أو التوجهات العالمية:

في بعض الدول يكون هناك توجه حكومي لدعم قطاعات معينة مما يوجه النظام الاقتصادي لهذه المجالات وبذلك فرص نجاح المشروع تكون أعلى والعكس صحيح.

بالنسبة للمملكة العربية السعودية مثلًا من المهم أن تكون الفرص متماشية مع رؤية المملكة. وأيضًا يوجد توجهات عالمية تضعها الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات العالمية في توجيه الأسواق، مثل الـ 17 هدف التي وضعتها الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.

لو أخذنا مثال لمشروع يعمل في مجال يخالف معايير المحافظة على البيئة ويؤثر سلبًا على المناخ، فمن المؤكد أن هذا المشروع سيواجه عدة مخالفات وتحديات كبيرة في المستقبل، وفي المقابل، وجود مشروع يساهم في تقليل أضرار التصنيع ويقلل انبعاثات الكربون سيحصل على دعم كبير محليًا وعالميًا، وتكون هناك عدة برامج ومبادرات تدعم وتساهم في أن ينجح المشروع وهناك الآلاف من يتمنى نجاحك.

لكن ماذا عن الدراسة المالية:

من المهم ذكر أن المشاريع التقنية في الأصل لا يتهتم المستثمر الملائكي كثيرًا في التوقعات المالية لها، وذلك لأنها فعليًا ليس لها قيمة، لأننا نبحث عن مضاعفات في الدخل بنمو أسي وليس بنمو عضوي أو تدريجي Exponential Growth not Organic Growth.

لكن أيضًا قد يكون بعض المشاريع من المهم أن نرى عقلية الريادي في إدارتها للجوانب المالية بالذات في المصاريف، وهل يصرف على نفسه أكثر من المشروع؟ أو هل يصرف على مكاتب إدارية فخمة؟ إذا كان كذلك فهنا توجد مشكلة في عقلية الريادي وهنا نحتاج مراجعة.

ولكن في حسبة العوائد هذا أصعب شيء توقعه لأننا المفترض أننا نتوقع أرقامًا ضخمة جدًا، وهذا ما نطمح له أو الخسارة لا قدر الله وهذا متوقع جدًا، ووجود أرباح ضخمة على ورق غير مفيدة ووجود خسائر أيضًا غير مفيدة ووجود أرقام بنمو تدريجي مضر لأنه يعطي للريادي أريحية في العمل ولا يطمح للنمو لأنه لا يرفع سقف التوقعات.

ولذلك الدراسة المالية فعليًا هي حبر على ورق ليس منها أي فائدة في وجهة نظري في المراحل المبكرة الذي يدخل فيه المستثمر الملائكي.

الملخص

تذكر دائمًا أن لكل مستثمر أهداف شخصية ويجب عليك التأكد من أهداف من تشاركه الاستثمار وإذا ناسبك أو لا يتعارض مع خططك فمن الأفضل المشاركة.

الاستثمار الجريء هو الأصل على المستقبل وإمكانيات المشروع وليس على الحاضر وهذا ما يرفع قيمته، مثل شركة سبيس أكس فتقييمها ليس بسبب منتجاتها اليوم أو أرباحها بل ما هو المتوقع منها في المستقبل لأنها شركة هدفها استعمار كوكب المريخ مما يعني أن الشركة ستعمل على أفضل المواد في صناعة الصواريخ التي ستفيد في مجال المواصلات الأخرى، ومن ناحية ستعمل على البحث والتطوير على طبيعة البيئة على كوكب المريخ مما يعني أنها ستفيد الشركات فيما يخص الطاقة النظيفة وحل مشاكل انبعاثات الكربون والغازات الدفيئة، وفي حال استطاعت الصواريخ الوصول للمريخ فهذا يعني القدرة على استخراج معادن ثمينة من الفضاء، وقس على ذلك، فالمستثمر الجديد يبني على المستقبل في عالم الاستثمار الجريء وليس أرباح اليوم.

وبذلك يجب أن يكون حجم السوق كبير والفريق الذي خلف المشروع قادر على الاستمرار على تضخيم القيمة السوقية للمشروع ليساعدك على التخارج بعوائد كبيرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى