تظهر الكثير من الأفكار المبتكرة والابداعية بين الحين والآخر في الكثير من القطاعات ذات العلاقة بالتقنية؛ مثل حلول التقنيات المالية، التجارة الإلكترونية، الخدمات السحابية، وغيرها. لكن ربما أكثر الأفكار المبتكرة والغريبة تظهر بين الفينة والأخرى في قطاع التقنيات الحيوية، ومعها تتوجه أنظار رأس المال الجريء الذي يبحث أصاحبه عن أفكار مختلفة يمكنها تغير الكثير إن نجحت.
وقد وصلت خلال السنوات القليلة الماضية العديد من الأفكار في قطاع التقنيات الحيوية التي غيرت معها طريقة التعامل مع أشياء اعتدنا على استخدامها بطريقة محددة؛ بعضها ذهب لصناعة لحوم مخبرية دون الحاجة لذبح حيوانات، وبعضها ذهب لإنتاج حليب بقري دون الحاجة للبقر، وأخرى خصصت تقنياتها للبحث وإيجاد الميكروبات، فيما كانت فكرة إعادة إحياء فيل الماموث الصوفي من أحدثها وأكثرها غرابة.
الماموث الصوفي والعودة الممكنة!
انطلقت عام 2021 شركة تُدعى Colossal Biosciences في مدينة دلاس في ولاية تكساس الأمريكية، وهي شركة مختصة في التقنيات الحيوية هدفها إعادة إحياء فيل الماموث الصوفي وراثيًا بعد أكثر من 10 آلاف سنة على الانقراض بجانب تطوير عدد من التقنيات الحيوية الأخرى. وتأسست عن طريق رائد الأعمال بن لام، الذي أسس عدة شركات في الولايات المتحدة، والبروفيسور والعالم في جامعة هارفارد، جورج تشيرش.
ربما تبدو فكرة الشركة غريبة وغير ممكنة للكثيرين، لكنها تمكنت من جمع 75 مليون دولار أمريكي لتطوير أبحاثها وتقنياتها من صناديق استثمارية أمريكية بارزة مثل At One Ventures، Breyer Capital، وBold Capital، فضلًا عن Draper Associates، وFirst Light Capital Group، وBuilders VC، وJazz Ventures، وBoost VC، بالإضافة إلى عدد من المستثمرين الأفراد بينهم توماس تول منتج سلسلة أفلام Jurassic Park، والممثلة باريس هيلتون، وتشارلز هوسكينسون المؤسس الشريكة لإيثريوم.
واستطاعت الشركة في سبتمبر الماضي جمع 15 مليون دولار أمريكي في جولة استثمارية (Seed)، لكن بعدها بفترة لا تتجاوز 6 شهور تمكنت من جمع 60 مليون دولار أمريكي إضافية في جولة لاحقة.
وتقول Colossal Biosciences إن هذا الأمر وارد الحدوث من خلال الجمع بين الحمض النووي للماموث الصوفي والحمض النووي وجينات الفيل الآسيوي؛ حيث تتواجد هناك الكثير من بقايا الماموث التي يمكن العثور عليها في المناطق المتجمدة في روسيا وكندا وآلاسكا الأمريكية بعد أن جابتها لمئات السنين قبل انقراضها في الوقت الذي ظلت فيه بقاياها وجثثها عالقة هناك محفوظة بفضل درجات الحرارة المنخفضة جدًا.
وتعتمد فكرة فريق الشركة على أخذ الحمض النووي من بقايا أفيال الماموث الصوفي ومن ثم جمعه مع جينات الأفيال الآسيوية التي تعيش في عالمنا الحالي؛ ووفقًا لمؤسس الشركة سيساهم هذا الأمر بإعادة ظهور الماموث للحياة من خلال الأفيال الآسيوية.
ويرى مؤسس Colossal Biosciences الشريك وأحد علماء الوراثة والجينات في جامعة هارفارد، البروفيسور جورج تشيرش، في إعادة إحياء فيل الماموث الصوفي خطوة هامة في مكافحة الانحباس الحراري، لأن وجود كائنات بأحجام هائلة على المناطق الجليدية سيساعد في زيادة الضغط عليه وبالتالي المساعدة في إيصال البرودة إلى مناطق أكثر عمقًا، ما يعني الحفاظ على الكائنات بعمق منخفض مجمدة بدلًا من تحللها مع ارتفاع درجات الحرارة وتحللها وإطلاق كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون. كما أن هذه الأفيال بإمكانها هدم الأشجار الكبيرة، وعند قيامها بذلك ستتبعها باقي الحيوانات للمنطقة بعد أن تتحول من غابات كبيرة إلى مناطق عشبية مع شجيرات، وهو الأمر الذي سيعزز عملية التمثيل الضوئي وعزل الكربون عن هذه المناطق على حد قوله.
لكن ما يمكننا قوله في النهاية؛ إذا كانت هذه الفكرة الغريبة ممكنة، فربما نرى المزيد من الأفكار الأكثر جنونًا في طريقها لنا.