يعود تأريخ النمذجة ثلاثية الأبعاد إلى ستينات القرن الماضي مع ظهور أنظمة CAD لتصميم نماذج للسيارات ورغم أن الأساليب والتقنيات كانت مختلفة، إلا أن ذلك شكل نقلة كبيرة في التصميم. وتطور الأمر كثيرًا بعدها حتى أصبحنا نرى مثل هذه التقنيات في أغراض تصميم وتخيل العديد من المنتجات وحتى في صناعة السينما والأعمال التلفزيونية وخصوصًا بعد ظهور فيلم Avatar الذي أبهر المتابعين بالمؤثرات البصرية وأظهر الإمكانيات الضخمة للاستفادة من تقنيات النمذجة ثلاثية الأبعاد في كافة الصناعات.
مرت الأيام سريعًا وظهرت تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز ومعها تطورت طرق الاستفادة من التقنيات ثلاثية الأبعاد في أغراض مختلفة، وهذا التطور السريع لم يتوقف حتى ظهرت ما تُسمى عوالم افتراضية – الميتافيرس – هي بالأساس مبنية على النمذجة ثلاثية الأبعاد بشكل أو بآخر وقدرات الرؤية الحاسوبية المبنية على الذكاء الاصطناعي.
أما الآن وقد دخلنا إلى المرحلة التالية، فأصبحت الحاجة لظهور نقلة أكبر في هذا المجال جلية وهو ما يحصل حاليًا مع الجهود المبذولة من مختلف الشركات الكبرى، وسعى الشركات الناشئة لاقتسام قطة من “الكيكة” لإثبات ما تود تقديمه للناس ومحاولة النمو بهذا المجال ووضع نفسها بين الشركات الرائدة.
النمذجة ثلاثية الأبعاد / إعادة التشكيل ثلاثية الأبعاد
النمذجة ثلاثية الأبعاد والتي يمكن إطلاق مصطلح إعادة التشكيل ثلاثية الأبعاد عليها كونها تستخدم نماذج وصور حية في إنتاج أشكال جديدة كليًا مبنية على الصور، تعتمد في تطورها على الذكاء الاصطناعي والرؤية الحاسوبية. فطريقة عملها ترتكز على جمع الصور المختلفة حول الأجسام ومن ثم تحليلها ودمجها من خلال الذكاء الاصطناعي وتحويلها لأجسام بأشكال مختلفة تتلاءم مع الهدف المطلوب منها عبر الرؤية الحاسوبية لذلك الهدف.
تعمل هذه التقنية على جمع الصور ثنائية الأبعاد من جميع الجوانب المختلفة للجسم، ومن ثم دمجها معًا لإخراج نموذج ثلاثي الأبعاد وبالتالي إمكانية جمع تفاصيل الأجسام من جميع الزوايا وتقديمها بشكل واقعي على الشاشة وهذا ما نراه جزئيًا مع تقنيات الواقع المعزز والافتراضي حيث تظهر الأجسام وكأنها حقيقية ما يوفر نقلة كبيرة خاصة في قطاعات مثل التجارة الإلكترونية وطريقة عرض المنتجات.
وهو ما تحاول الشركات الكبرى الاستفادة منه خاصة في الترويج لمنتجاتها وتسويقها؛ فعلى سبيل المثال أشار تقرير من شوبيفاي إلى نمو مبيعات التجار الذين يوفرون نماذج ثلاثية الأبعاد لعرض محتواهم بنسبة 94% ما يوحي بتأثير أكبر بصورة ملحوظة عما توفره الصور ومحتوى الفيديو حتى، ويعود السبب لاحتواء النماذج ثلاثية الأبعاد على كثير من التفاصيل لمساعدة المشترين على اتخاذ قرار الشراء مقارنة مع المحتوى الآخر.
لكن هذا الأمر من المنتظر أن يصل لما هو أبعد من استخدام التجارة الإلكترونية العادية، كما يتوقع أن تصل قيمة سوق النمذجة ثلاثية الأبعاد إلى 1.3 مليار دولار أمريكي بحلول 2027، وفقًا لاستطلاع SkyQuest. حيث تسعى الشركات لأخذ زمام المبادرة ونقل التجربة للمجالات مختلفة وعالم الميتافيرس.
وسيصبح بقدور المستخدمين بهذه الحالة ليس فقط رؤية تفاصيل المنتجات الدقيقة، بل إمكانية تجربتها في عالم افتراضي بالكامل حتى لو كانت قابلة للارتداء مثل الأحذية والملابس والساعات وغيرها، أو إمكانية استخدامها في أغراض أخرى مثل الألعاب، أو حتى صناعة منتجات معتمدة على التجربة الافتراضية، وربما في أماكن أخرى مثل صناعة المحتوى البصري المعتمد بالأساس على الذكاء الاصطناعي من خلال أجسام متفرقة.
ماذا بعد؟
كشفت ميتا (فيسبوك سابقًا) عن Implicitron والتي تمثل بيئة عمل لصنع نماذج ثلاثية الأبعاد من خلال إعادة تشكيل الصور الخاصة بالأجسام. فكما هو معروف يتم إنتاج النماذج ثلاثية الأبعاد باستخدام معظم التقنيات عبر أخذ صور الأجسام من جميع الجهات ويتم مع كل صورة قياس بعد النقاط المتواجدة فيها وانعكاسات الإضاءة لمعرفة أبعاد الأجسام ونقاط ترابط كل صورة مع أخرى ومن ثم دمجها معًا بوصل هذه النقاط لإظهار الشكل النهائي.
لكن ميتا تعمل على إضافة دقة أكبر من خلال Implicitron، التي تعتمد على جزئيتين وهما نقاط الأشعة (Point Sampler) وعينات الأشعة (RaySampler)، ويمكن شرح هذه النقطة باختصار بالقول إن ذلك يساعد على جمع صور ثنائية الأبعاد بطبيعة الحال لمختلف الأجسام ومن ثم تحليلها وترميزها من خلال مواقع نقاط الأشعة الظاهرة عليها وتحويلها لصور جديدة، ثم بعدها يأتي دور تنقيح واختيار الصور ودمجها بعد المرور بعدة عمليات باستخدام تقنيات مختلفة لإنتاج النموذج النهائي المبني على الجسم الأصلي.
وإذ ستساعد هذه التقنيات في جعل الأجسام النمذجة أو المعاد إنتاجها أكثر واقعية في عالم الميتافيرس والعالم الافتراضي، إلا أنها ستوفر نقلة كبيرة في مجالات أخرى؛ فعلى سبيل المثال ستساعد في خلق نماذج هولوغرامية أكثر دقة وواقية وليس بالعالم الافتراضي فقط. كما أنه من الممكن مشاهدة هذه التقنيات في إنتاج أفلام بمشاهدة مبنية بالكامل على النمذجة ثلاثية الأبعاد باختلاف مواقع الممثلين وأماكن التصوير وحتى الشخصيات البديلة؛ وهو نقلة كبيرة لما يحدث بطرق النمذجة ثلاثية الأبعاد المستخدمة بصناعة المحتوى المرئي من خلال التقاط صور الشخصيات والأجسام ودمجها معًا للحصول على مشاهد يصعب الحصول عليها بالطرق العادية.
فرصة مواتية لظهور شركات جديدة
بما أن قطاع النمذجة أو إعادة التشكيل ثلاثية الأبعاد أمام مرحلة جديدة وسوق ضخم طور النمو، فإن ظهور شركات ناشئة جديدة فرصة كبيرة لمؤسسيها لدخول سوق متزايد الطلب ويمكنهم من المساهمة في وضع أساسات المرحلة الجديدة.
فإذا نظرنا حولنا، سنرى أن التجارة الإلكترونية ستكون بحاجة لمثل هذه التقنيات مثلًا، وهو الحال مع صناعة المحتوى وتصميم المنتجات المختلفة مثل السيارات والمباني وغيرها بطرق مبتكرة، والشركات التي تسعى لدخول عالم الميتافيرس، والكثير من القطاعات الأخرى.
وتكمن الفرصة في هذا المجال في إمكانية تطوير منتج خاص وإطلاقه، أو بيئة عمل لتمكين الشركات من تطوير منتجاتها في مختلف القطاعات.